من روح التراث الدمشقي في معرض “سورية.. تاريخ وحضارات”
ملده شويكاني
على وقع نغمات العود وغناء أعضاء البيت الدمشقي أغنيات دمشق التراثية، تجول الزائرون في معرض الحرف التراثية “سورية.. تاريخ وحضارات” الذي أقامته حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية بالتعاون مع مديرية ثقافة دمشق في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بمشاركة شيوخ الكار، فتألقت دمشق بتراثها المادي واللامادي، بغية الحفاظ على التراث وإحيائه.
وقد حفل المعرض بصناعات الزجاج الفينيقي والجلديات والصدف والدهان الدمشقي والخشبيات والنحاسيات والنول والآركت والزيوت العطرية وغيرها، إلا أنه تميّز بصناعة الأعواد. وأجمع المشاركون على دور الحاضنة الفعّال بجمع الحرفيين ودعمهم بالمكان المناسب للتعليم والإنتاج وصون التراث.
العود النحاسي
شغلت الآلات الموسيقية حيزاً كبيراً، ولاسيما صناعة العود التي أدرجت على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، فعرض الحرفي شيخ الكار فراس السلكا المتخصّص بآلات التخت الشرقي مجموعة نماذج من الأعواد إضافة إلى البزق والقانون. وأوضح أنه عمل على عرض آلات تعتمد على فكرة تداخل الصناعات التراثية، وتابع: انتقيتُ الأعواد المزينة بالموزاييك والصدف لإبراز مهارة الحرفي السوري، ليس فقط بصناعة الآلة الموسيقية وإنما بتزيينها، وحالياً قدمنا تجربة جديدة بتقديم عود مصنّع من النحاس وكان موجوداً قديماً إلا أنه انقرض، فنعمل على إعادة إحيائه، ويتصف هذا العود باختلاف نكهة الصوت لطبيعة المادة ففيه نوع من “المتليك” المختلف عن الخشب، إضافة إلى تصنيع أعواد من الحفر اليدوي، وهي أول مرة تصنّع في تاريخ العود، ففي كلّ معرض نحاول تقديم أشياء جديدة، وهذا جزء من فكر الحاضنة المبنيّ على تجمع الصناعات الحرفية بمشاركة شيوخ الكار بتشكيل حالة تكاملية تؤدي إلى الإنتاج المتجدد، ولاسيما أن روح التراث موجودة حتى بالقطع الجديدة، كوننا نحترم التراث اللامادي الذي تتصف به كل آلة على حدة ونلتزم به، بغية تعريف الزائرين بتراثنا المادي واللامادي الذي بدأ يتناساه الناس في ظل هيمنة التكنولوجيا.
فسيفساء الحارة الدمشقية والعود
وفي ركن آخر لصناعة الأعواد قدم الحرفي الضيف من خارج الحاضنة بشار الحلبي مجموعة أعواد، وقد أدخل إليها فنون الزخارف والرسومات وأجملها رسم الحارة الدمشقية على خلفية العود (طاسة العود)، فبيّن أنه يعمل على إحياء العود القديم بكل مواصفاته ابتداء من القياس والصوت والأنواع إلى الزخرفة ضمن خصوصية العود الدمشقي. فإضافة إلى الصدف مع الموزاييك عمل على ابتكار أشياء جديدة بعيداً عن النمطية والتقليدية، منها الحروفية بالخطّ الديواني الذي يناسب العود بشكل الحرف والتفنن به بشكل بيضوي أو دائري، وتوقفت معه حول كيفية استخدامه الفسيفساء الخشبي برسم الحارة الدمشقية للمرة الأولى كما ذكر، من خلال القطع الصغيرة التي تشكّل الرسومات بألوان الخشب الطبيعية، منها الأصفر من خشب السرو، والأسود من الأبنوس، والأحمر من الأخشاب الإفريقية، والأخضر من خشب الزيتون باستثناء السماء إذ لونها باللون الأزرق الفاتح.
النحاسيات والشطرنج الثلاثي
وتألق ركن الفنون النحاسية بمعروضات تزيينية، إضافة إلى القطعة الأساسية رقعة الشطرنج الثلاثي المصنوعة من النحاس الممتزج بالزخارف الهندسية والنباتية التي ابتكرها شيخ الكار عدنان تنبكجي، فاللاعب الأول مطليّ بالذهب والثاني بالفضة والثالث بالبرونز، والقائم على الرموز التاريخية منها صلاح الدين الأيوبي وزنوبيا، إضافة إلى قلعة دمشق والجندي والفيل، وأضاف: أفتخر بأن الشطرنج الثلاثي رمز لهوية الصناعة السورية، ومن خلال المعرض نركز على نشر الوعي الثقافي والحرفي في ظل الأوضاع الصعبة الحالية لنوجّه رسالة إلى العالم بأن الحرف التراثية تتوارث من جيل إلى آخر، وأن إبداعات الحرفي السوري تتطور، كما تطورت عبر الحضارات التي مرّت على سورية.
النقش بكل المجالات الحياتية
كما تحدث شيخ الكار أحمد عداس عن فنّ “الآركت” وهو الاسم العالمي لفنّ النشر القوسي –حرفة النقاشين- الحرفة التاريخية، ففي تراثنا اشتُهر النقش على الخنجر وتفاصيل البيت الدمشقي والأثاث، ومن ثم تطورت الحرفة مع ظهور المنشار القوسي في بداية الثمانينيات، ومن ثم مع تطور التكنولوجيا ووجود أول مكنة “ليزر راوتر” في عام 1993، وحالياً تدخل حرفة النقش بكل المجالات الحياتية.
أما عن المعروضات فهي منتجات شرقية ولوحات مضغوطة بالفن، سواء بالعجمي أو الزخارف الهندسية والنباتية والإسلامية وخاصة بالعصر الأموي، إضافة إلى النقوش الفارسية، ونقش الحروفية على بعض القطع الخشبية، ومن أجمل المعروضات لوحة دمشق التي نقشت ضمنها محطة الحجاز والتكية السليمانية والسيف الدمشقي والزخرفة الإسلامية الأموية والقنطرة الشامية.
كولاج الأقمشة مع الخشب
أيوب عجاج طوّر الصناعات الخشبية، فمن خشب السويق صنع هدايا صغيرة أضاف إليها بتقنية الكولاج قطعاً من الأقمشة الدمشقية منها البروكار، كما صنع نماذج مختلفة من “اللمباديرات”، إضافة إلى مستلزمات المطبخ، منها الملاعق الخشبية والعلب الصغيرة على شكل براميل صغيرة بديلاً عن العلب البلاستيكية.
الواقعية والتعبيرية
الفنان غسان مارديني شارك بلوحات عدة رسمها بالواقعي والتعبيري، إذ جسّد بألوان الزيتي تفاصيل الحارة الشامية بأقواسها وبيوتها والطراز المعماري لبيوتها، كما رسم الخيل العربي الأصيل بحالة عنفوان وشموخ إيماءة إلى سورية، وبخلفية رمادية أظهرت الزخم اللوني للتضاد بين الأسود والأبيض جسّد ثنائية عاطفية تعيشها الأوزة، وقد أضفت النباتات النهرية على الضفة شفافية للوحة، وعبّر عن الحالة العاطفية بلوحة رقصة الفالس، وتوقفتُ معه عند لوحة الديك والدجاجة، فأشار إلى أنها حالة تعبيرية عن الشرخ بالأسرة والانفصال ومشكلات الحياة.