قانون وبنوك أخلاقية.. لأربعة تحديات “العمل”..!!
قسيم دحدل
كثيرة هي العناوين التي تواجهها اليوم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؛ عناوين من العيار الثقيل نتيجة لتردي الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، والذي تفاقم كثيراً نتيجة لثلاثية الحرب وكورونا والزلزال.. واقع وضع الوزارة خاصة، والحكومة عامة، أمام أربعة تحديات كل منها بحدّ ذاته – وفقاً لرأي خبراء مختصين – معضلة تكاد تكون شبه مستحيلة الحلّ في ضوء ضيق خيارات الممكن والمتاح من الإمكانيات والمتطلبات التي تحتاجها – أشد الاحتياج – شبكات الحماية الإجتماعية العتيدة، أملا في مساعدة ودعم الشرائح المجتمعية الفقيرة، والنهوض بواقعها لتأخذ دورها في الحياة الاقتصاد والاجتماعية..
أول تلك التحديات يتمثّل بعدم توفر البيانات، وثانيها عدم القدرة على التحديد الدقيق لمعايير استهداف الفئات المحتاجة (إذ ليس بالإمكان استهداف الكل)، وثالث التحديات التمويل، ومن يموّل، حيث القضايا الاقتصادية والاجتماعية بحاجة لأموال كبيرة ومستدامة، أما رابعها فيتمثل بتحديد من هم الشركاء في هذا التمويل.
وزارة الشؤون، كجهة مسؤولة عن “الرعاية المادية والاجتماعية”، ومناط بها إيجاد الحلول بمعزل عن وجود هوية للاقتصاد ودور للدولة، ولأنها لا تمتلك رفاهية الانتظار، فهي تسابق الزمن لتأسيس شراكات مع الكل (داخلياً وخارجياً)، سواء كانت مؤسسات خيرية أو منظمات وهيئات مالية إنسانية مانحة وداعمة، وتمدّ يدها لكل مستثمر في الخدمة الاجتماعية، مقدمة أملاكها لمن يرغب بالمساهمة بهذا النوع من الاستثمار الهادف لدعم الشرائح الاجتماعية التي تعاني اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً وصحياً، بعد تحديد هيكلة الحماية، أكانت مأجورة كالتأمين الصحي، أو مجانية للدخول لسوق العمل (تدريب واحتضان، إن كان المستهدف من ذوي الإعاقة، أم من أصحاب الاحتياجات الخاصة، على سبيل المثال لا الحصر).
أمام تلك التحديات والمسؤوليات وغيرها الكثير مما أفرزته الأزمات المتوالية من ظلال بؤس وفاقة وبطالة، وصل االفقر في خطورته للدرجة الثالثة (استناداً لعدد السعرات الحرارية، ودخل يقدر بـ 1500 ليرة فقط للفرد يوميا) حسب تصريح مسؤول، تابع قائلاً: أمام تلك التحديات، تتربع قضية التمويل على قمة هرم المعضلات التي يواجهها المسؤولون عن الشأن الاقتصادي والاجتماعي في وزارة الشؤون.
ولكون التمويل هو الركيزة الأهم التي يستند عليها نجاح أي عمل واستثمار، سواء كان ربحياً أو غير ربحي، تغدو شبكات الحماية الاجتماعية، في ضوء شح التمويل وعدم توفر قنواته، الشغل الشاغل لخمسين خبيراً متطوعاً يعملون مع الوزارة، حيث الحوار لا يتوقف مع الكلّ وعلى مختلف المستويات، والقطاعات (العام والخاص والمشترك والتعاوني) للوصول إلى برامج تستهدف ليس فقط الفئات الهشّة بل ومحدودة الدخل، وفقاً للتعريف العلمي العالمي، انطلاقاً من أن أي تغيير أو تصحيح في أعمدة الدعم الحقيقية يؤدي إلى تغيير العوامل الاقتصادية.
وزارة الشؤون، التي اتخذت من قاعدة “ليش لأ؟!” عنواناً لكلّ ما تسعى لإنجازه بصمت على أمل إعلانه في وقته، تفتح المجال لنا للإدلاء بدلونا في ملفاتها الشائكة والمتشعبة بمتطلباتها وتمويلها..
في السنوات الأخيرة، أصبح الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني واحداً من أهم أدوات تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي في العديد من الاقتصاديات النامية والمتقدمة في العالم، بسبب مساهماته في نمو الناتج المحلي الإجمالي وكذلك الثروة وخلق فرص العمل. وعليه فإن إرساء اقتصاد اجتماعي وتضامني أمر ضروري لخلق فرص اقتصادية لصالح الفئات المهمّشة، وهذا يقتضي سنّ قانون يتعلق بهذا النوع من الاقتصاد، قانون من دون ثغرات، يأخذ بعين الاعتبار مفهوم اللامركزية الاقتصادية، لضمان مشاركة اجتماعية واقتصادية أفضل للجماعات والأفراد الذين يواجهون عقبات مختلفة للوصول إلى سوق العمل والسلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد التقليدي؛ قانون خاص من شأنه أن يعمل على إيجاد طرق لتمكين الفئات المهمّشة في سورية، مثل النساء في المناطق الريفية والأشخاص ذوي الإعاقة… إلخ.
وبحسب الدراسات التنموية، فإن قطاع التمويل من أكبر القطاعات التي تطبق مفهوم الاقتصاد الاجتماعي، وتنمو بشكل كبير حول العالم. ولأجل ذلك نشأت في العديد من الدول ما يُسمّى بـ “البنوك الأخلاقية”، التي تُعنى بتقديم التمويل الجماعي الأخضر، وأُطلق مصطلح البنوك الأخلاقية على هذه البنوك لأنها تجمع الأموال من المدخرين والمستثمرين وتقرضها للمشاريع ذات القيمة الاجتماعية والبيئية العالية مثل المزارع العضوية، وإعادة تدوير المنتجات والتعاونيات، وما إلى ذلك. وتستخدم هذه البنوك ومنصات التمويل المعايير الاجتماعية والبيئية لاختيار المشاريع التي تمولها.
إن إنشاء هذا النوع من الاقتصاد أو “القطاع الاقتصادي الثالث”، إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص، سيساهم في خلق فرص عمل وبنسب مؤثرة، كما سيسهم في إيجاد مشاريع متناهية الصغر وصغيرة وحتى متوسطة، يكون لها وزنها في الناتج المحلي الإجمالي،ما يؤدي إلى تقليص المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الدولة و الفئات الهشة معا..
وعليه يتعين على الحكومة اتخاذ جميع التدابير اللازمة بسرعة، واعتماد نهج وطني قائم على البرامج المستهدفة لدعم التكامل الاجتماعي والاقتصادي للفئات المهمشة من ناحية، ومن ناحية أخرى يتعين عليها اعتماد سياسات عامة محدة للتنمية المناطقية. كما ويجب عليها تقديم حوافز ضريبية لتشجيع الجهات الفاعلة الخاصة، على الاستثمار في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وعلاوة على ذلك، يجب عليها إنشاء الإطار المؤسساتي اللازم وإعطاء التسهيلات الإدارية (للحصول على التراخيص وفتح الحسابات المصرفية)، وتقديم المزيد من الدعم لنظام تمويل المشاريع الصغرى.
إن تحقيق هذه التدابير سيجذب الأشخاص المنخرطين في اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي، ويمكنهم من تنفيذ مشاريع صغيرة أو متوسطة بطريقة منظمة..
لذلك وجب علينا كلنا العمل لزيادة مساهمة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الى حدود 5-6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، لدعم القطاعين العام والخاص في جهود التنمية وخلق فرص العمل والثروة، حيث القادمات تنبئ بالأصعب والأقسى على الفئات الهشّة، في مرحلة “لا نمتلك فيها رفاهية الانتظار”!!.
Qassim1965@gmail.com