توزيع جوائز” هذي حكايتي” لعام 2023 في مكتبة الأسد الوطنية
ملده شويكاني
الحرب الإرهابية التي عاشها السوريون كانت حاضرة بمشهديات حقيقية عبّرت عنها مفردات تسرد وقائع القنص والقذائف وانتشار المسلحين والقتل والهجوم والجرحى والشهداء، من خلال مقتطفات من حكايات الفائزين التي عُرضت في فيلم توثيقي، في فعالية توزيع جوائز”هذي حكايتي” لعام 2023، والتي أقامتها مؤسسة وثيقة وطن في مكتبة الأسد الوطنية بحضور عدد من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.
وقد عبّرت من خلال شعّارها ” فلسطين في القلب” عن أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة إلى سورية، والوقوف إلى جانب غزة التي تواجه مجازر العدو الصهيوني.
وفي هذا العام، تنافست خمسمئة وعشرين حكاية، من مختلف مناطق جغرافية سورية على الجوائز، ولا يقصد بالحكاية القصة ببنائها الأدبي والفني، إذ تقوم الحكاية على مصداقية السرد وتوثيق الأحداث بدقة.
اهتمامات المؤسسة
وخلال الفعالية عُرض أيضاً فيلم تعريفي عن تاريخ مؤسسة وثيقة وطن التي تأسست في عام 2016، وتضمن أعمال الفريق ومراحل التدريب المختلفة ودور السيدة الأولى أسماء الأسد بدعم المؤسسة، وما يتعلق بتفاصيل العمل بمشاركة وإشراف د. بثينة شعبان، إضافة إلى الاتفاقات والمؤتمرات التي شاركت بها وثيقة وطن.
وفي منحى آخر اهتمام المؤسسة بتوثيق كل ما يتعلق بسورية من حيث تراثها اللامادي ابتداءً بالحرف اليدوية إلى المونة والطقوس الاجتماعية المرافقة لها في مختلف المناطق الجغرافية.
حرب إبادة
انطلقت الفعالية بكلمة للدكتورة بثينة شعبان مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن، وركزت فيها على التوثيق والانتماء والنضال، مبتدئةً بإدانة العدو الصهيوني الغاشم، في الوقت الذي مازال فيه السوريون يلملمون جراحاً تسببت بها حرب إرهابية ظالمة عليهم، يشن العدوان الصهيوني الغاشم على فلسطين الأبية في غزة والضفة وفي كل بقعة ينبت فيها فلسطينيون حرب إبادة لم يشهد العالم مثيلاً لوحشيتها، وتجاوزها كل محرمات الحروب والشرائع والقوانين الإنسانية والدولية، فلم تشهد الحربان العالميتان ولا أيّ حرب شهدتها البشرية عدواناً آثماً يجعل من المستشفيات والكوادر الطبية والإعلامية والمنازل الآمنة وأفران الخبز والأراضي المزروعة بالخيرات ومدارس الأطفال هدفاً مستباحاً، وأشارت إلى الصمت العالمي ودعم الغرب بسلاح الحديد وحملة التضليل التي يقوم بها الإعلام الغربي. ووجهت تحية من القلب إلى أبطال غزة وإلى شعب فلسطين الصابر الصامد منذ أكثر من قرن.
الحرف اليدوية والمأكولات
وفي جانب آخر أكدت على اعتزاز وثيقة وطن التي اكتشفت الآلاف من الجنود المجهولين ممن صمدوا وضحوا بدافع الانتماء لهذا البلد.
وأشارت إلى أهمية التوثيق بكل مناحي الحياة، فمن الضروري توثيق الحرف اليدوية والمأكولات السورية، والمواقع الأثرية والمناطق الجغرافية، وكل مؤسسة حكومية أو غير حكومية بكل مناحي عملها، لأن التوثيق هو الهوية والذاكرة. كما أعلنت عن افتتاح مركز تدريب وثيقة وطن لتلبية الحاجات المجتمعية. وشكرت السيد الرئيس بشار الأسد الذي احتضن المشروع، والسيدة الأولى أسماء الأسد التي تدعم المؤسسة وتكرّم الفائزين بشكل خاص. كما نوّهت إلى التعاون المشترك مع الأمانة العامة السورية للتنمية، والعمل على توثيق المونة السورية وتسجيلها على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو.
العمل بالمخيمات
ثم ألقت د. دلال السلطي والدة الشهيد مديرة دار القدس للطباعة والنشر كلمة أصدقاء الوثيقة، مستحضرةً محطات من حياتها، فهي فلسطينية – سورية، تنتمي إلى أبوين فلسطينيين عاشا آلام النكبة، وتابعت عن نشأتها مع عائلتها في السعودية، ومن ثم عودتها إلى دمشق وبداية دراستها الطب البشري التي تزامنت مع حرب تشرين التحريرية، ومن ثم عملها لاحقاً بالمخيمات، واستشهاد ابنها الذي أصر على الخدمة العسكرية رغم أنه وحيد. وعبرت عن رفضها مغادرة سورية متمنية أن يكرّمها الله بالشهادة كما كرّم ابنها.
لجنة التحكيم
أما عن دراسة الحكايات فتمت من خلال لجنة تحكيم هذي حكايتي لعام 2023 اتصفت بخبرات فكرية وبحثية وأكاديمية وتحليلية وإنسانية مؤلفة من د. إنصاف حمد، ود. ندى زين الدين، ود. عاطف البطرس، ود. وائل بركات، والكاتب محمود عبد الكريم، والكاتب والصحفي وعضو مجلس الشعب نبيل صالح، الذي ألقى كلمة لجنة التحكيم منطلقاً من التاريخ بقوله: ” خلال آلاف السنين من الصراع البشري كان المنتصرون هم من يكتبون التاريخ، فكان تاريخاً يناسب هواهم ويجمل أعمالهم، أما الآن فإن الشعوب هي من باتت تدوّن تاريخها وتوثق حياتها بوساطة أفرادها الذين يشكّلون مادة الأحداث وشهودها”
نوع مجاور للأدب
وتابع بأن السوريين اليوم قد دخلوا على خط توثيق أيامهم وأعمالهم وسائر نشاطاتهم، بشكل منهجي وعلمي وديمقراطي عبْر مؤسسة وثيقة وطن للتأريخ الشفوي التي فتحت الباب لكل المواطنين، كي يكونوا جزءاً من تاريخ البلاد الذي عاشوه وشهدوه. وأعلن فوز سبعة عشر مشاركاً لأربع مراحل عمرية، وأضيفت خمس حكايات حصلت على الجائزة مناصفة مع كامل المبلغ، ونوّه إلى أن المسابقة لا تأخذ منحى الاختصاص الأدبي، الذي يفوز به صاحب البيان والصنعة، وإنما تم التركيز على أهمية الحدث الذي عاشه الراوي ودوره فيه، وهذا نوّع من الكتابة لا يصنف كأدب وإنما كنوع مجاور للأدب.
الفئات العمرية
ومن ثم تم توزيع الجوائز من قبل د. بثينة شعبان رئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن مع الأستاذ نبيل صالح على المشاركين الذين صعدوا إلى المنصة وحيوا الجمهور، ابتداءً من الفئة العمرية الأولى حتى الثامنة عشر عاماً، والثانية من التاسعة عشر حتى الثلاثين، والثالثة من الواحد والثلاثين حتى الخامسة والأربعين، والرابعة من السادسة والأربعين وما فوق.
ومن الفائزين عن المرحلة العمرية الأولى لجين اللحام من دمشق التي سألت في ختام حكايتها: ” هل شعرتم بما شعرت به، ربما ليس الجميع يدرك مشاعر الخوف التي مررنا بها”، وحصلت على الجائزة البرونزية مناصفة مع بشر حامد من حماة.
ومن الفئة الثانية، فاز بالذهبية محمود حيدر من محافظة ريف دمشق، وبالفضية الضابط المتقاعد الشهيد الحي ربيع حميشة من اللاذقية. كما حصلت زينب الحبش من محافظة دير الزور على البرونزية مناصفة.
أما الفئة الثالثة ففاز بالذهبية أحمد حلاق من إدلب، وفازت بالجائزة الذهبية للفئة الرابعة إيمان الدرع من محافظة ريف دمشق- قدسيا.
المستوى الاجتماعي والثقافي
وعلى هامش الفعالية تحدثت “البعث” مع عضو لجنة التحكيم د. عاطف البطرس، فأوضح بأن نتائج أعضاء التحكيم كانت متطابقة إلى حدّ كبير، ولم تلغَ فنيات القصّ وإنما أخذت منحى آخر لاسيما أننا نتعامل مع التوثيق، فاعتمدت على المشاهدة الحيّة للراوي وأن يكون صادقاً ومؤثراً بالآخر، مبيّناً أن هذه الوثائق يمكن أن نقرأ من خلالها ليس فقط وطنية هذا الشعب ومستوى الوعي عند أبنائه، وإنما المستوى الاجتماعي والثقافي والعلاقات السائدة بالمجتمع.
توثيق المصالحة الوطنية
كما عقبت إيمان الدرع الحاصلة على الجائزة الذهبية للفئة العمرية الرابعة من محافظة ريف دمشق- قدسيا بأن حكايتها كانت واقعية ليست من نسج الخيال كتبتها من أحداث عاشتها بكل أبعادها، ودوّنت فيها الجمل المحكية متوخية الدقة مبتعدة عن الأسلوب الأدبي والإنشائي، وتوقفت عند موضوع حكايتها المتعلق بالمصالحة الوطنية ودور المرأة الواعي التي رفضت وجود المسلحين.