“اقتصاد الظل” الأخطر…!!
قسيم دحدل
كثيراً ما تمّ تناول مصطلح الاقتصاد غير الرسمي، أو ما يُسمّى بـ “اقتصاد الظل”، من بوابة ضرورة ضبط هذا القطاع ووضعه تحت مجهر الرقابة والمحاسبة المالية والإدارية وغيرهما، نظراً لتفلُّته من أي التزام قانوني أو غير قانوني، ولما يشكّله من حجم اختلفت تقديراته ما بين الأكاديميين والباحثين، وبين الحكومة، كما اختلف ما بين فترة زمنية وأخرى، فمنهم من يرى أنه وخلال الأزمة وصل إلى 85% بينما كان قبلها بحدود الـ 50% .
وبحسب عدد من الاقتصاديين، فإن اقتصاد الظلّ ما كان ليصل إلى تلك النسب العالية لولا التهرّب من التكاليف المالية (الضرائب والرسوم)، معتبرين أن ذلك شكّل أهم الأسباب التي تدفع الأنشطة الاقتصادية إليه، فالكثير من المكلفين ما زالوا يعتبرون الضريبة عبئاً عليهم، ويعملون على التهرّب منها، مهما كان حجم التكليف، ولو كان بسيطاً جداً رغم استفادته (المكلف) من كلّ الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية.
بناءً عليه، وسواء اتفقنا أم اختلفنا حول نسب هذا النوع من الاقتصاد، وسبب تناميه واتساعه، لكننا نتفق مع الكثير من الباحثين في الشأن الاقتصادي، على أن من أهم الطرق لإصلاحه هيكلياً وصولاً إلى دمجه بالاقتصاد الحقيقي، تكمن في إلغاء سياسة المنع واستبدالها بسياسة الضبط، استناداً إلى أن أية عملية منع، لأي سلعة أو خدمة، هي باب كبير لاقتصاد الظل، والفساد والتهريب، وإلغاء سياسة الجباية والتحول لسياسة الشراكة.
وهنا من الجدير التذكير أنه، ومنذ العام 2005، عندما اختارت سورية الانتقال من نموذج التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يعتمد سياسة الانفتاح وإعطاء مرونة لآليات القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في مختلف النشاطات الاقتصادية، كان لهذه المرحلة الانتقالية أثر كبير في تفشي ظاهرة اقتصاد الظل وتغلغلها في الشبكات الرسمية وغير الرسمية، نتيجة لضعف أنظمة المتابعة والمحاسبة والحماية، وقصور إمكانات الاقتصاد الكلي السابق وقلة خبرته التوظيفية في مجالات الاستثمار والعمالة والمالية العامة.
اليوم، ولعلّه يكون الأهم في معرض تناولنا لهذا الملف، هو أن اقتصاد الظل يتكوّن من شقين: الأول اقتصاد جنائي، والثاني غير جنائي، أما الأخطر فهو أن الأول يشكل 80% من اقتصاد الظل، أي أننا أمام نسبة كبيرة من أعمال التهريب والمُتجارة غير المشروعة بالكثير من السلع والمنتجة.. وغير ذلك من “الرذائل الاقتصادية” التي تهدّد الاقتصاد الوطني في مقتل.
أما الشق الثاني، والبالغة نسبته 20%، فيتوزع إلى 10% صناعي و10% صغار كسبة. والمفارقة هنا أن المنضوين تحت هاتين النسبتين يدفعون أكثر فيما لو كانوا ضمن الاقتصاد النظامي (رشاوى وغيرها)، وهم في الأغلب مضبوطون نسبياً لكن بشكل غير مشروع (أي خارج القوانين والأنظمة المرعية)..!، في حين أن النشطين في الاقتصاد الأول أكثر تفلتاً في كلّ شيء!!
واقع يحتاج إلى حلول جذرية، تراعي حال وأعمال صغار الكسبة في الاقتصاد غير الجاني، حين الإعداد لأية قوانين وتشريعات من شأنها مواجهة اقتصاد الظلّ في جانبه الأخطر، حيث دهاليزه المعتمة والمتشعّبة، التي يقوى ويبرع فيها الناشطون في مجال الاقتصاد الجنائي، ويراكمون الثروات على حساب مصير الدولة والاقتصاد الوطني!!.
Qassim1965@gmail.com