ثقافة

مريانا مرّاش.. رائدة في الأدب والصّحافة والملتقيات الأدبية

فيصل خرتش

لها الفضل في أنّها صاحبة أوّل صالون أدبي في العصر الحديث، قال عنها قسطاكي حمصي في كتابه “أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التّاسع عشر”: “إنّها سليلة بيت علم، وشعلة من الذّكاء والفهم، فصيحة الخطاب، ألمعية الجواب، تسبي ذوي النهى بألطافها، ويكاد يعصر الظّرف من أعطافها، تحنّ إلى الألحان والطّرب، حنينها إلى الفضل والأدب، كانت رخيمة الصّوت، عليمة بالأنغام، تضرب على القانون، فتنطقه إنطاقها الأقلام”، إنّها مريانا بنت فتح الله مرّاش، كاتبة حلبية وشاعرة، وصحفية، ولدت في حلب في حارة الحصرم، بمنطقة التلل عام 1848، وتوفيت عام 1919، وتعدّ من أهمّ روّاد النّهضة العربية ومن روّاد الدّاعين إلى الأنظمة الدّستورية، وهي أوّل امرأة سورية تنشر مجموعة شعرية في بيروت ـ المطبعة الأدبية عام 1893ـ  بالرّخصة الرّسمية من نظارة المعارف الحلبية، ورقمها 716، وكانت كتبت في مقدمتها: “إنّني دعوتها بهذا الاسم لأنّها نتيجة أفكار بدهية صادرة عن قريحة عزيزة هي بنت فكر”.

تزوّجت مرّاش من حبيب غضبان، وأنجبت ثلاثة أولاد، واهتمّت باللغات، فأتقنت الفرنسية إتقاناً جيّداً، وتعلّمت الإنكليزية، وتلقّت تعليمها على أيدي راهبات القديس يوسف، ثمّ ذهبت إلى بيروت لتتعلم في الإرسالية الأميركية، ودرست على يد والدها مادّة الأدب العربي، فحفظت ابن الفارض وعمر بن أبي ربيعة وغيرهما من الشّعراء.

تفوّقت مرّاش باللغة الفرنسية والعربية والرّياضيات، وحصلت على ثقافة عربية أصيلة، ثمّ سافرت إلى فرنسا وقرأت كثيراً من الشّعر الرّومانسي الغربي، وكانت تحبّ شعر “الفونس دي مارتين” و”ألفريد دي موسيه”، وبدأت في أوائل سبعينيات القرن التّاسع عشر بكتابة مقالات وقصائد للجرائد، فقد دعا سليم البستاني في عام 1870 إلى مباراة “إنشاء” للأديبات السّوريات، فردّت عليه بمقالة بعنوان “شامة الجنان” لتكون أوّل مقالة متنوّرة خطّتها امرأة وتنشر في الصّحف، وتتابعت بعدها المقالات، وكانت تنتقد فيها بنات عصرها، وتحضّهن على التّزيّن بالعلم والتّحلّي بالأدب، كما أخذت تنتقد التّقعّر في أساليب الكتابة، ودعت الكتّاب إلى تحسين الإنشاء وتنويع الموضوعات والتّفنن فيها، ودعت النّساء إلى الإسهام الفعلي في مجالي الآداب والمعارف والمشاركة في الصّحافة بكتابتهن، وتحليهن بالشّجاعة والجرأة الأدبية، واتّباعهن أفضل الطّرق والوسائل في تربية أبنائهن، والارتقاء بمقدرات بناتهن من خلال التّعليم، ولها مقالات عدّة في هذا الشّأن منها “حنون القلم” التي دعت فيها إلى تحسين الإنشاء وترقية المواضيع والتّفنن فيها، كذلك نشرت في جريدة “لسان الحال” في بيروت، ونشرت هناك أيضاً مجموعتها الشّعرية، وهي بعنوان “بنات فكر” في عام 1903، وتتضمّن القصائد التي كتبتها في أعوام سابقة، وهذه القصائد فيها الغزل والمدح والرّثاء، ونذكر هنا على سبيل المثال ما كتبته في رثاء أخيها فرنسيس:

وإنّه بحرُ علم لا قرار له  وقد حوى كلّ منظوم من الدرر

هذا الذي جابت الأقطار شهرته  قد صار مطروحاً في أضيق الحفر

ومن قصائدها في الغزل:

يذكر المعالي هام قلبي صبابة  فيا نور عيني هل أكون على القرب

عين الشّمس في مرآك للعين تنجلي  فتنقل للأبصار ما حل بالقلب

افتتحت مرّاش صالونها الأدبي في منزلها، بعد عودتها من باريس، وكان يلتقي فيه الكتّاب بشكلٍ منتظمٍ وكذلك رجالات الفكر من أمثال قسطاكي حمصي وجبرائيل الدّلال وكامل الغزي وعبد الرّحمن الكواكبي ورزق الله حسون، وأثمرت هذه اللقاءات عن صداقات بينهم، واشتملت على مناقشة قضايا فكريّة وأدبيّة وسياسيّة واجتماعية وموسيقية.

كانت مريانا مرّاش إضافةً إلى ثقافتها وعلمها رفيعة الشّمائل وعذبة المنطق وطيبة العشرة وتميل إلى المزاح، لكن تمكّن منها الدّاء العصبي في آخر حياتها، حتّى كانت تتمنّى الموت في كلّ سانحة، وتوفيت عن عمر يناهز الحادية والسّبعين عاماً.