حسام غانم: قصيدة النثر هي الأقرب والنّقد في معظمه للتّجريح
هويدا محمد مصطفى
شاعر له بصمته في عالم الأدب، يكتب قصيدة النّثر الكثيفة المعاني والصّور المنتقاة من جمال الرّوح والكون، ويعزف على أوتار المشاعر لتبدو القصيدة كسيمفونية رائعة العزف.. إنّه الشّاعر حسام غانم التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار..
**بدايةً.. حدّثنا عن مجموعاتك الشّعرية والمعارض التي شاركت فيها؟
*بالنّسبة إليّ الكتابة جزء مني، تتبعني كظلّي، ولم أنقطع عنها على الرّغم من انشغالاتي الكثيرة في عملي الأساس كمهندس ومدير مشاريع استشاري في شركة هندسية ولديّ الآلاف من النّصوص الشعرية، لكن صدر لي ست مجموعات شعرية حتّى الآن، وكان أوّلها “حقائب الياسمين” في دمشق ٢٠١٦، ثمّ “عنب” في القاهرة ٢٠٢٠ و”مشاكسة” أيضاً في القاهرة ٢٠٢٠، ومن ثمّ “وليمة لنوارس البحر” في دمشق ٢٠٢١، وبعدها “بنصف اشتعال” في دمشق ٢٠٢٢، وآخر مجموعة صدرت في استكهولم في السويد باسم “بنت الرّيح”، وأنا أنشر دائماً في الصحف والمجلات العربية الدورية، وشاركت في الكثير من المعارض للكتاب في القاهرة والشارقة ومسقط والرياض ودمشق، وأقمت العديد من الأمسيات الشعرية في أكثر من دولة عربية، بالإضافة إلى المراكز الثقافية في سوريا الحبيبة.
** للشّاعر عالمه وبدايته، فكيف كانت البداية؟
*غالباً نحن لانختار بداياتنا، إنّما الحياة تختار لنا من أين نبدأ، لكن سؤالك يعود بي إلى ذلك الطّفل في الصّف السّادس الابتدائي المنحاز للغة الضّاد والمتميّز بها، بالاضافة إلى تميّزه ببقية الموادّ، ومن هنا بدأت الموهبة تخط حروفها الأولى عبر ما أكتبه حيث طلبت معلمتي حينها أن نكتب لها ثلاث جمل كلّ صباح ونقرأها لها، وخطر على بالي حينها أن أكتب إثنا عشرة عبارة في الوقت ذاته، فكانت باكورة كتابة الشّعر لدي، وبعدها استمرت هذه الموهبة كملاك يرافقني في رحالي وترحالي إلى يومي هذا، وأثمرت ست مجموعات شعرية.
**القصيدة رسائل يستطيع الشّاعر إيصالها للمتلقي، فكيف تصل القصيدة؟ وهل هناك نوع محدد من الشّعر هو الأقرب برأيك؟
*يقول الشّاعر نزار قباني: “يخطئ من يعتقد أنّ الشّاعر يذهب إلى القصيدة، فالقصيدة الحقيقية هي التي تأتي إل الشّاعر وتكتبه”، وأنا أقول القصيدة هي سيمفونية متكاملة تعزف بإتقان نوتة إحساسنا وفرحنا وحزننا، وبقدر ما يكون الشّاعر بارعاً في إيصال هذا الإحساس الدّاخلي لديه عبر الكلمات بقدر ما لامست كلماته نبض المتلقي وأدّت رسالتها على أتمّ وجه.. في كلّ قصيدة لوحة جديدة يرسم بها الشّاعر قلبه وروحه وأحلامه وأمنياته، حين يقف القارئ أمامها يجد نفسه وكأنّه يقرأ ذاته، وهنا يكمن نجاح القصيدة أي حين تلامس نبض وفكر القارئ وتطرب إحساسه، أمّا عن نوع القصيدة الأقرب إليّ، فأقول لك إنّ الشّعر هو الشّعر على أي صورة يأتي فليأت، لكن ولكون الشّعر انعاكس لتطور حياتنا وطريقة تفكيرنا فإنّي أعدّ الشعر الحديث وقصيدة النّثر هما الأقرب إلى قلبي، وذلك لحرية التّعبير والوصول لما أريد من دون قيود أو إطارات مسبقة للتّعبير مع كلّ احترامي لكلّ أشكال الشّعر الأخرى.
**متى تكتب القصيدة؟ وهل الحالة النّفسية لها دور في خلق حالة الابداع؟
*يمكن أن أعدّ الكتابة حالة من الإلهام والوحي يأتي عبر عنوان أو عبارة أو كلمة تكون شرارة لسكب ديمة الحروف على الورق في حالة انفصال عن كلّ العالم من حولي، فحالة الكتابة حالة فريدة تأخذك إلى عالم جميل وبحور بعيدة تجدف بقارب الكلمات رويداً رويداً حتى تصل إلى برّ النهاية المجهول الذي لا تعلم عنه شيئاً حين تشرع برفع قارب الإبحار، والكتابة هذه الأيام مأزومة كأزمة الكاتب والشّاعر ربّان سفينة الحرف فكيف لا يتأثر برياح اليم وعواصفه، والكتابة أصبحت تحدّ كبير لأنّ كلّ شيء حولنا لا يساعد عليها، فرغيف الخبز أصبح أكثر أهمية للمواطن لدينا من كتاب، والحديث عن الحب في زمن الحروب والأزمات لهو فرط من البذخ والتّرف في عيون الناس المتعبة، لكن بكلّ تأكيد ما نكتبه هو تراكم أحاسيس ومشاعر وأمنيات وأحلام وآمال في نفوسنا تنتظر الولادة على الورق في كل نصّ نكتبه وفي كل نصّ لا يزال ينتظر.
** هل حققت ذاتك من خلال القصيدة؟
* القصيدة جزء مني، وما وصلت إليه فيها شيء كبير وجميل، وما لم أصل لا يزال يحمل الكثير مني، والذي لم أقله بعد الشيء الكثير، وأجمل القصائد لا تزال تنتظر، لكنني أودّ أن أذهب إلى القبر فارغاً، وكل ما أتمناه أن أفرغ ما بجعبتي من قصائد ويصل ما أريد قوله بكل حب.
**المرأة حاضرة في كل قصائدك، وكأنّها لوحة تزداد جمالاً بحروفك؟
*المرأة تختصر برسمها وطناً وأناة نخاطبها كأننا نخاطب ذاتنا، وحضورها يجمل القصيدة، ويعطيها الروح والنبض، فكيف لا تطفو على بحر الكلمات كما يطفو على الموج الزبد؟ وهل أجمل من أن نرسم من نحب بالكلمات ونفيض عليه من ورود القلب وعطور الأشواق؟.
** ما رأيك بالنّقد؟ وماذا يقدم لك؟
*النّقد بمعناه الحقيقي والإيجابي مطلوب، لكي يتطور الشاعر ويقف عند نقاط ضعفه إن وجدت، لكن للأسف ما نراه من نقد ونقّاد في عالمنا الأدبي هو غالباً نقد بقصد التجريح والتقزيم لا بقصد الإفادة، وما أكثرهم وهم ليسوا نقّاداً، أو ربما يكون النقد لغرض شخصي ومنفعة شخصية، وهذا أيضاً يضرّ ولا يفيد بشيء.
**هل ترى مواقع التواصل الاجتماعي نافذة الوصول إلى الشهرة بعيداً عن المراكز الثقافية؟
* لا شك في أن الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي هي واقع نعيشه، وطغى على كل وسائل الإعلام التقليدية، وأصبح هو الجريدة اليومية للملايين من الناس في عالمنا هذا، وهو يعطي فرصة بكل تأكيد للانتشار بشكل أسهل لكن القارئ يستطيع بسهولة التمييز ما بين ما يستحق القراءة وبين ما لا يستحق، لذلك في هذا الفضاء الواسع ثمة ميدان كبير يتسع للجميع والقارئ يبقى الحكم.
** ما هي مشاريعك المستقبلية؟
* ثمّة مشروع أحلم به وهو دار للنشر تحمل صبغة العالمية، وتكون غير ربحية، ويلجأ إليها كتّاب الوطن على مختلف مشاربهم من دون أن تكون أمامهم أي عوائق تذكر في موضوع النّشر، وهذا بحدّ ذاته هدف نبيل أسعى للوصول إليه، بالإضافة إلى مشاريعي الأخرى بالوجود أكثر في المنابر الثقافية العربية والمحلية والحفاظ على ثقة قارئ يقرأني.