إعزاز.. موغلة في التاريخ ومدهشة في الحاضر
حلب- غالية خوجة
ما تزال خطوات أجدادنا وأمهاتنا وآبائنا تتحرك في طبقات الأرض الأقدم، معلنةً للعالم عن حياتها التي تحكيها آثارهم وهي تدهش العلماء والبحّاثة، وتمنح الحاضر المزيد من الأسئلة عن إمكانية التنقيب بعقول وأيادٍ محلية، فأرضنا لديها الكثير مما لم تفصح عنه ولم تسرده بعد، لأنها ما تزال بحاجة للاكتشاف، ولأنها لا تريد أن تقول المزيد لفرق التنقيب الأجنبية، كما أكدت محاضرة “إعزاز عبر التاريخ” التي أقامتها جمعية العاديات بالتعاون مع مديرية الثقافة في صالة تشرين، وقدّمها وأدارها محمد خير الدين الرفاعي رئيس مجلس إدارة الجمعية، لافتاً إلى ما قاله اثنان من المنقبين الآثاريين الأجانب: “سورية جنة الآثاريين، وقبلة الباحثين عن الآثار في كل أنحاء العالم”.
وتحدث الرّفاعي عن ملامح إعزاز وآثارها وطقسها العليل، وأهميتها كمكان كانت تقصده العائلات المعاصرة للتبضّع المتنوع من الأزياء إلى جبنة الماعز وزيت الزيتون، واشتهارها بمعاصر الزيت وتصنيعها أيضاً، لافتاً إلى والده الذي كان قاضياً في إعزاز كما أنه من مواليدها.
أقدم من أريحا
بدوره، تحدث زهير الناصر المهندس الاستشاري ـ أمين سر جمعية العاديات ورئيس مجلس مدينة إعزاز سابقاًـ عن أهمية إعزاز الأثرية والمعاصرة في مختلف المجالات، ولاسيّما أنها أذهلت الآثاريين عندما اكتشفوا أن آثارها تعود إلى عمق تأريخي يصل إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أي قبل سور أريحا بألف سنة، مبيناً أن موقعها استراتيجي، وهواءها عليل، ومشهورة بالزراعة، ولا يوجد فيها عقرب أو أفعى أو بعوض.
فيلم وثائقي وروحانيات المكان
وتخلّل المحاضرة عرض فيلم وثائقي عن إعزاز، بخلفية موسيقية تأملية من تأليف الموسيقار نوري إسكندر، لتعبق الشاشة والصالة بأزمنة وأمكنة عريقة، في تلك الرحلة إلى إعزاز مروراً بالقرى، وصولاً إلى أماكن المكتشفات القديمة من مساكن بأبعاد دائرية، وأطلال 5 أبراج، وقلعة، ومعابد متطورة الطقوس، ومقبرة، وأدوات حياتية تعود للعصر الحجري الحديث والعصور اللاحقة، و470 قطعة فنية كاملة النقوش، ومنحوتات حجرية، هذا بالإضافة إلى الأزياء التي كان يرتديها سكان ووجهاء مكان روى رحلة روحانية مع مار مارون الذي طلب أن يدفن إلى جانب ضريح زابينا المتعبد الواقف دائماً لكونه الأب والمعلم.
شخصيات وكتب
وتابع المحاضر: “لم تكن هناك حدود سورية تركية لكن المستعمر قسّم المنطقة، ونذكر أن “أبو عبيدة بن الجراح” وصلها وكتب إلى الفاروق عمر بن الخطاب رسالة، مما جاء فيها: “إن حصن إعزاز حصن قوي”.
وأردف: “صار في إعزاز جامع كبير تزوّده بالماء قناة عذبة”، وتابع: “لقد زارها صلاح الدين الأيوبي، والملك الناصر، وغيرهما، أمّا أهم الشخصيات المعاصرة التي زارتها كالمخرج مصطفى العقاد، والشاعر عمر أبو ريشة الذي سكنها فترة لأن والده كان قائمقام فيها، وغسان الشامي الصحافي والمذيع الذي عرضنا فيلمه الوثائقي عن إعزاز”.
وأكد الناصر: “جاء ذكرها في العديد من الكتب والمؤلفات، ومنها كتاب عن تاريخ إعزاز لمؤلفه الإعزازي عدنان حموش ومشاركتي، كما كتب عنها ياقوت الحموي، وابن الشداد، وابن عديم، والمقدسي، وابن الشحنة، وكامل الغزي، بالإضافة إلى كتاب “أصفياء الله”، مضيفاً: “هناك إجماع على أن إعزاز مدينة عظيمة عامرة، وتتمتع هندستها المعمارية بخصوصية يتداخل فيها البناء المحلي مع هندسة البناء الأرمني، ولاسيما في حارة الأرمن، كما أن نهر قويق يبدأ منها، وما تزال تتمتّع بقابلية الاكتشاف الأثري، على الرغم من الاكتشافات التي تدلّ عليها أبنيتها القديمة الموغلة في الزمان، وأدواتها الحجرية والصوانية وطواحينها وكساراتها وفؤوسها وتماثيلها الصلصالية، ومنها تمثال يمثل عصفورة، وحجارة منحوت عليها أشكال هندسية.