الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني هو الأهم
ريا خوري
ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تتّبع استراتيجية عالمية تقوم على دور المهيمن في النظام العالمي من خلال تفرّدها بالدور العالمي والانخراط الكامل في القضايا العالمية نظراً لعدم وجود منافسين راغبين بمنافستها، إلى جانب امتلاك الولايات المتحدة عناصر من فائض القوة وخاصةً الاقتصادية منها، وكل هذا بما يؤمّن متطلبات الأمن القومي الأمريكي. تلك الاستراتيجية هي الأنسب للولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام ٢٠١١م، التي حدّدت على نحوٍ كبير دعاوى التفرّد الأمريكي في العالم وقادت بعدها حرباً عالمية بحجة محاربة الإرهاب لترسم ملامح منظومة أمن عالمية جديدة تقودها بنفسها دون تحالفات كبيرة بل ضمن تحالفات محدودة.
الملاحظ أنه على الرغم من تكاليف تلك الاستراتيجية الباهظة التي لم تعُد تقوى الولايات المتحدة الأمريكية على تحمّلها، إلا أنها تستمرّ في تنفيذ دور المهيمن في النظام العالمي مع قناعتها بالتعددية القطبية، ولكن بآليات واستراتيجيات مغايرة ومختلفة، وهو ما يتجلى بوضوح في آلية القوة الذكية لإدارة باراك أوباما، واتجاه إدارة الرئيس جو بايدن الحالية لتحميل حلفاء أمريكا أعباء حمايتها، وهذا في إطار استراتيجية إحداث التوازن من الخارج.
إضافةً إلى ما سبق، قام استراتيجيو وخبراء الأمن القومي الأمريكي بصياغة أسس محدّدة للاستراتيجية الأمنية الأمريكية تصبّ كلّها في تحقيق التفوق الأمريكي المطلق، تقوم على خدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام كل الوسائل المتاحة لديها من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية واستخباراتية، وفقاً لأهمية الدول والمنطقة والبيئة التي تعمل فيها، وهي تتغيّر وتتبدّل وفقاً لهذه المصالح، لكن الثابت فيها هو الكيان الصهيوني بما يمثله من دور في خدمة هذه الاستراتيجية.
وقد تأكّد بعد السابع من تشرين الأول الماضي، وما تلاه من حرب الإبادة الجماعية ( الجينوسايد) التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني الحالية ضدّ قطاع غزة وشعبه، أن أهمية أوكرانيا تراجعت بالنسبة للقيادة الأمريكية والبيت الأبيض، وحلّ محلها الكيان الصهيوني من حيث الدعم والإسناد العسكري واللوجستي والمالي والسياسي، بحيث باتت أوكرانيا عاجزة عن مواصلة الحرب في مواجهة القوات الروسية، وذلك أن الكيان الصهيوني يمثل “كنزاً استراتيجياً” في منطقة الشرق الأوسط إذا فقدته فقدت دورها وهيبتها وأهميتها، لذلك سارعت بعد يوم من عملية السابع من تشرين الأول الماضي، إلى إرسال حاملات الطائرات (جيرالد فورد) و(آيزنهاور) وغواصة نووية من فئة (أوهايو) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، كما توافد كبار المسؤولين الأمريكيين، من الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى (تل أبيب) لتأكيد دعمهم وحمايتهم، حيث بدت الحرب التي يشنّها العدو الصهيوني حرباً أمريكية، إذ سرعان ما أقامت جسراً جوياً عسكرياً لوجستياً قام بتزويد الكيان بمختلف أنواع الأسلحة من صواريخ وقذائف وقنابل متعدّدة المهام معظمها محرم دولياً، إضافة إلى خبراء ومستشارين عسكريين و(قوات نخبة) لمساعدة قوات الكيان الصهيوني في عملياته العسكرية في قطاع غزة.
ووفقاً لوزارة الحرب في الكيان في بيان لها يوم الأربعاء ٦ كانون الأول الجاري، فإن نحو مئتي طائرة عسكرية أمريكية ضخمة وصلت إلى مطارات الكيان حتى الآن محمّلة بالعتاد والقذائف والمركبات المصفحة، وبأكثر من عشرة آلاف طن من الأسلحة الفتاكة من أجل دعم الخطط الهجومية الصهيونية على قطاع غزة واستمرار القتال لتحقيق الأهداف التي رسمتها مع القيادة الصهيونية المدعومة أوروبياً. وكان الرئيس بايدن قد أعلن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم كل ما يحتاج إليه الكيان من دعم، كما طلب من الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب الموافقة على تقديم مساعدات عسكرية إضافية للكيان بقيمة أربعة عشر مليار دولار، إضافة إلى الثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار التي يحصل عليها سنوياً.
إن هذا الدعم غير المحدود، مع إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عدم وقف إطلاق النار وعدم الموافقة حتى على هدن إنسانية في بداية الحرب، وإفشال كل المبادرات في مجلس الأمن الدولي للوصول إلى هذا الهدف، هو ضوء أخضر أمريكي كي تواصل قوات الاحتلال ارتكاب الجرائم البشعة ضد النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء في قطاع غزة الذي تحوّل إلى (مقبرة للأطفال) حسب توصيف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي دعا مجلس الأمن الدولي يوم ٧ كانون الأول الجاري إلى تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنصّ على (أن ينبّه الأمين العام مجلس الأمن الدولي إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدّد حفظ السلم والأمن الدوليين).
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترسل أيّاً من حاملات طائراتها وغواصاتها النووية إلى البحر الأسود عند اندلاع الحرب الأوكرانية، لكنها قامت بذلك دفاعاً عن الكيان الصهيوني الذي يمثّل مصالحها.