حتى الغذاء دخل معركة الضغط!
علي اليوسف
فجأة، ودون سابق تنسيق، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه سيخفض في كانون الثاني المقبل برنامجه للمساعدات في جميع أنحاء سورية، في رسالة موجعة للشعب السوري مع بداية العام الجديد. المخجل أن هذه الرسالة أتت عن طريق وسائل الإعلام، ولم تأت عبر القنوات الرسمية، وكأن وراء الأكمة ما وراءها، إذ لماذا لم تخبر الوكالة الدولية بقرارها السلطات السورية المعنية مباشرة كي تأخذ احتياطاتها – على الأقل – إن لم نقل حسب الأعراف الدولية والإنسانية؟
هذا القرار هو التخفيض السابع منذ انطلاق عمل البرنامج في سورية، والذي يعد الأضخم على الإطلاق، لكن السؤال: أين مبلغ الملياري دولار التي خصصتها مؤتمرات المانحين لدورة التمويل الحالية للبرنامج؟ إن نقص التمويل ليس إلا حجة، وبالتالي هناك نية عن سابق إصرار للضغط على الشعب السوري عبر سيناريوهات تحلم الوكالة الدولية ودولها المانحة بتنفيذها، والتي تأتي تحت عناوين خلق المزيد من التوتر وعدم الاستقرار وانعدام الأمن في البلدان المضيفة.
بمعنى أن الخطوة سياسية بامتياز الهدف منها إطالة الدول المانحة، على اختلاف المسميات، أمد الحرب في سورية، بحيث تقتصر خدماتها على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية والانفصالية من خلال نقل المساعدات إلى مسؤولية الدول المانحة وشبكاتهم الخاصة التي تنتشر في أوساط الجماعات المسلحة التي تريد تقويتها وتعزيز تواجدها لتنفيذ الأجندات المطلوبة منها خاصة بعد التحولات الكبيرة التي تطرأ على المنطقة لجهة الحراك الروسي الأخير تجاه السعودية والإمارات، وقبله الصيني الذي قاد المصالحة بين السعودية وإيران.
من الواضح أن برنامج الأغذية العالمي لم يقم بمقاربة موضوعية وإنسانية للمحتاجين السوريين، خاصةً أن الوكالات الإنسانية تجد صعوبة في لفت انتباه العالم إلى الحصار الاقتصادي على سورية، فحجج نقص الموازنة والتمويل، وتحميل تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وجائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، وتزايد الاحتياجات في قطاع غزة المحاصر، كلها مبررات لا يقبلها الضمير الإنساني، لأن العواقب التي ستؤثر على ملايين السوريين لا يمكن وصفها، فنقص الدعم من قبل الجهات المانحة أمام الاحتياجات الإنسانية الكبيرة في سورية، والتحديات الاقتصادية العالمية، والتشديد المالي من جانب الجهات المانحة الرئيسة، سيؤدي إلى استمرار حركة الهجرة الشرعية وغير الشرعية للاجئين السوريين واتساعها نحو أوروبا، في ظل السعي المتزايد للاجئين للخروج من الظروف السيئة والضغوطات التي يتعرضون لها في دول اللجوء، أو الاعتماد على آليات التأقلم الضارة مثل عمالة الأطفال أو الزواج المبكر، وهو ما يندرج تحت عنوان الفضيحة الأخلاقية والقانونية التي باتت تمثل انتهاكاً فاضحاً لميثاق القانون الدولي ومنظماته التي تستخدم الغذاء كمطية لتمرير مشاريعها.
بمعنى أن الصيغة التي ارتأتها الوكالة تعني انحرافاً سياسياً لمسار برنامج المساعدات الإنسانية، إلى جانب انحرافات باقي المنظمات الأممية، والأبعد من ذلك دخولها في جوقة الضاغطين على الشعب السوري الذي بات اليوم بأمس الحاجة للمساعدات الغذائية نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها المواطنون السوريون، بسبب الحصار الجائر وسرقة النفط والقمح من قبل الاحتلالين الأمريكي والتركي والمجموعات الإرهابية والانفصالية.