هل يمنح القانون السوري المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها؟
دمشق – لينا عدره
يكفل القانون السوري إعطاء جنسية الأم للطفل مجهول النسب حتى لا يبقى عديم الجنسية، في حين يمنعه عن أبناء السورية المتزوّجة من أجنبي ولو كان زواجها قانونياً ورسمياً، وقد يرى البعض في الأمر تناقضاً غريباً، إلا أن القانون، بمنحه الجنسية للطفل حتى ولو كان من علاقة غير شرعية، فإن مبرره هنا – وفقاً لتفسير أصحاب الاختصاص – ألا يبقى الطفل مجهول النسب، أي لـ “دواعٍ إنسانية”، وحيث إن دولاً مختلفة حول العالم تفرض ضوابط وقوانين وشروطاً مختلفة لاعتباراتٍ عدة لمنحها الجنسية، إلا أن الكثير منها يعطي الجنسية بمجرد الولادة على اسم الأم، فهل من الممكن أن نشهد اليوم الذي تتمكّن فيه المرأة السورية من إعطاء جنسيتها لأولادها “أسوةً بالرجل”؟!
العميد الدكتور حسان عبيدو، رئيس فرع الشؤون القانونية في وزارة الداخلية، وفي تصريحٍ خاص لـ “البعث”، على هامش ورشة العمل التي نظمتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، لمناقشة المواد التمييزية في التشريعات السورية، وبصفته ممثلاً عن وزارة الداخلية في اللجنة الوطنية المعنية بمراجعة القوانين التمييزية، ودراسة المواد التي لحظت تمييزاً ضد المرأة، والمكوّنة من عدة وزارات، أوضح أن الورشة تأتي كخطوة مكملة للإجراءات السابقة التي جرت في اللجنة، حيث تمّت مناقشة الكثير من المواد، بما فيها تلك المتعلقة بقانون الجنسية من خلال التركيز على نقاطٍ ثلاث أولها: إن كان من المناسب أن تمنح المرأة السورية الجنسية لأولادها في حال تزوّجت من أجنبي أم لا، أسوةً بالرجل الذي يمنحه القانون السوري هذا الحق، ولو كان متزوجاً من أجنبية، لتتنوّع الآراء بين مؤيدٍ ومتحفظ، فيما تمثلت النقطة الثانية بإمكانية أن تكون الزوجة السورية سبباً في منح زوجها الجنسية على اعتبار أن القانون السوري يسمح للزوج السوري بأن يكون سبباً في منح الجنسية لزوجته الأجنبية ضمن شروط معينة، منها مدة الإقامة وغيرها من الشروط، لتتمّ مناقشة هذه النقطة من زاوية العدالة بين الجنسين وإمكانية إيجاد نص متوازن يعامل الزوجة والزوج بالحق نفسه؟
وتمثلت النقطة الأخيرة بتوحيد الإجراءات ووضع المعايير المشتركة التي تُسهّل للزوجة الأجنبية الحصول على الجنسية، أسوةً بالزوجة العربية التي تُعتبر إجراءات حصولها على الجنسية أسهل وأيسر بسبب التسهيلات المقدمة لأبناء الدول العربية في الحصول على الجنسية السورية، مع الإشارة إلى أن حق الاثنتين مصون، إلا أن الاختلاف فقط في موضوع الإجراءات، وهنا نلحظ التمييز بين امرأة وامرأة.
وبيّن عبيدو أن أي نص قانوني مقترح للتعديل قد يحصل على اتفاقٍ أو تحفظٍ، المهمّ النتيجة النهائية التي يمكن أن توصلنا إلى نقاط مشتركة، لذلك فإن النقاش أخذ بعين الاعتبار كل الآراء، مؤكداً ضرورة إعادة النظر في قانون الجنسية ككل واختيار الوقت المناسب لذلك، خاصةً وأنه ومنذ صدوره في عام 1969 لم يطرأ عليه أي تعديل باستثناء بعض التعديلات البسيطة، منوهاً بأن ما تمّ التطرق إليه ومناقشته في الوقت الحالي اقتصر فقط على المواد آنفة الذكر، كونها تتضمن تمييزاً بين الرجل والمرأة، مع تأكيده أن الورشة وعمل اللجنة قبل الورشة انطلق من نصوص الدستور التي تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، مع مراعاة خصوصية بعض الأمور التي قد تكون بيولوجية بين الرجل والمرأة، أما تلك المتعلقة بالحقوق العامة فلا بدّ أن يكون فيها نوع من المساواة تبدأ من القوانين، مع الإشارة إلى ضرورة البدء بها عبر مراحل لصعوبة تحقيقها من خلال تطبيقات مباشرة عملية، ومن هنا يضيف عبيدو، كانت الفكرة أن نبدأ من القوانين ثم ننتقل إلى المراحل الأخرى على مستوى الوزارات والقرارات الإدارية والإجراءات انتقالاً للمستوى الاجتماعي ككل، خاصةً وأن هذا الموضوع يعتبر جزءاً من سلسلة إجراءات يجب أن تُتخذ من قبل المعنيين في الدولة في مختلف المؤسسات، مشيراً إلى أن عمل اللجنة يشكل خطوة في هذا الاتجاه، على حدّ قوله.
وبالنتيجة، تبقى فكرة طرح الموضوع للنقاش خطوةً في الاتجاه الصحيح، وخاصةً مع زواج أعداد لا بأس بها من السيدات السوريات من أجانب، ومنهن سيدات انفصلن عن أزواجهن وعدنَ إلى سورية مع أطفالهن. وبالتالي، ما ذنب الأطفال في هذه الحالة ليبقوا من دون جنسية؟ مع تأكيدنا أن موضوع الجنسية يبقى من المواضيع التي تحمل طابع الخصوصية لاعتبارات تتعلّق بالأمن الوطني والسيادة، إلا أن اقتصار منح الحق للرجل فقط بإعطاء الجنسية دون المرأة يُشكِّلُ عقبةً في تحقيق عدالة قانونية بين الجنسين وشكلاً صارخاً من أشكال التمييز ضد المرأة!