رأيصحيفة البعث

“فيتو” العار

أحمد حسن

يوم الجمعة الماضي ضُبطت واشنطن عارية حتى من “ورقة تين” الحلفاء، فقد أسقطت، بالفيتو المنفرد، مشروع قرار عربي لهدنة إنسانية في غزة، وأسقط مجلس شيوخها مشروعاً قدّمه بعض أعضائه للانسحاب من سورية، فأسقطت “محميّتها” المسمّاة “إسرائيل” المزيد من قنابلها المدمّرة على غزة في سياق حربها الإبادية على سكانها، وواصلت عدوانها الفاجر على مواقع سورية مختلفة.

والحال فإن هذا “حراك” إجرامي مشترك وشامل بين طرفين قاما بالولادة على خلفية نفي جسدي ومعنوي كامل للآخر – الأصلي صاحب الأرض والحق – والسطو على أراضيه وثرواته المادية والمعنوية، الفكرية والثقافية وحتى الفولكلورية، وحتى حقه بالتعبير والكلام عن آلامه وأوجاعه، لذلك لم يستغرب أحد قيام الحكومة الأمريكية في اليوم الثاني للفيتو المنفرد بإشهار “فيتو” آخر لمنع وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، عضو مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، من الإدلاء بتصريح خلال مباحثات “المجموعة” في واشنطن، كما لم يستغرب أحد قيام واشنطن ذاتها، حسب وثائق مسرّبة من وزارة خارجيتها، بدفع رواتب لنحو 16 ألف عميل ووسائل إعلام، سورية الشكل لا الجوهر، بهدف تعزيز المبادئ الأميركية التي لا تعني سوى دعم العدوان المباشر والمستمر على سورية، ولا تحمل في حقيقتها سوى صفة “عارنا الوطني” كما وصفت صحيفة أمريكية الاحتلال الأمريكي لبلادنا.

والمسألة هنا أن ذلك كلّه يحصل لمصلحة مستفيد واحد هو “إسرائيل” التي وقفت واشنطن لأجلها وحيدة في وجه العالم كله – حتى حلفائها – سواء لإسقاط مشروع القرار العربي، أم للبقاء الاحتلالي في سورية حماية لـ “إسرائيل” كما قال، حرفياً، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، وبالتالي لا بأس في القاموس الأمريكي من التعدّي على القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة واحتلال أراضي بلد مؤسس لهذه “الأمم” وسرقة ثرواته الطبيعية وتدمير بناه التحتية وتهجير سكانه ثم منعهم من العودة، كما لا بأس في الإصرار الفاجر على محاصرة وقتل من وصفهم الأمين العام للأمم المتحدة ذاتها، أنطونيو غوتيريش، بـ “97% من سكان غزة الذين لا يملكون المسكن ولا الغذاء ولا الدواء”.

خلاصة القول، “فيتو العار” الأمريكي لم يكن سوى محطة أخرى من سياق طويل سارت عليه واشنطن لإسقاط المنطقة بكاملها، سواء بالترغيب والإلحاق أم الترهيب والتدمير، لكن “وحدتها” الأخيرة في مجلس الأمن الدولي، وإن كانت تعبّر، من جهة أولى، عن إصرارها على المضي قدماً بهذا المخطط، إلا أنها تقول، من جهة ثانية: إن اللحظة التي “يصعب فيها على واشنطن مواصلة تقديم الحماية والدعم المفتوح لكيان الاحتلال وجرائمه المتمادية في غزة، لم تعُد بعيدة”، وهي لحظة سيكون لها ما بعدها بالتأكيد، فالمنطقة لا تعاني من “عجز الأفكار” كما قال المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، بل من “فيتو العار” وأصحاب الإبادة الجماعية، لكنها – أي المنطقة – من باب المندب إلى دمشق مروراً بفلسطين وجدت الجواب الخاص بها.. والأيام حبلى.