مجلس الأمن عاجز عن تمرير مشروع القرار.. والفيتو الأمريكي هو السبب!
ريا خوري
كثر الحديث عن دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ومدى قدرتهما على القيام بما أنيط بهما من مهام في ظل انقسام أعضاء مجلس الأمن الدائمين حول القضايا الرئيسة في العالم، حيث انقسموا إلى محورين.
فقد أخفق مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية في تمرير مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة الأمريكية، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، حق النقض (الفيتو)، وذلك على الرغم من تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه لا توجد حماية عملية وفعّالة للمدنيين في غزة، ولا يوجد مكان آمن في القطاع بعد الهجمات العنيدة التي يشنّها سلاح الجو الصهيوني وهجماته الصاروخية والمدفعية الثقيلة من البر والبحر ودباباته وجرافاته على قطاع غزة وساكنيه.
مشروع القرار الذي طالب في نسخته الأخيرة (بالوقف الفوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية) في قطاع غزة، محذراً من (الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة)، كما يدعو النص المقتضب إلى (حماية المدنيين) و(الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن) و(ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع)، سقط بالفيتو الأمريكي حيث تصرّ واشنطن على إعطاء مهلة إضافية لكيان الاحتلال للإجهاز على ما تبقّى من حياة في القطاع، وصولاً إلى الغاية المرجوة، وهي تهجير سكان القطاع قسراً من منازلهم، وسحب المطالبة بحق العودة منهم، للتفرّغ لاحقاً إلى عملية ترانسفير أخرى في الضفة الغربية.
وقبل بضع ساعات من تصويت مجلس الأمن الدولي، أكّد الأمين العام للأمم المتحدة أن 85% من سكان قطاع غزة اضطروا لمغادرة منازلهم وممتلكاتهم دون أدنى مقومات للحياة الإنسانية، مشيراً بوضوح تام إلى أنّ الأمم المتحدة متشبثةٌ وملتزمةٌ بمواصلة تقديم المساعدة لسكان قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد على ثلاثة عشر سنة، لكن هناك مخاوف من الانهيار الكامل لنظام الدعم الإنساني في غزة، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة جداً لا تقبلها الإنسانية.
وجاءت تحذيرات الأمين العام من أن النظام الصحي في غزة ينهار بشكلٍ متسارع، كما أن الغذاء لدى سكان قطاع غزة ينفد بسرعة نتيجة الحصار المشدّد، وذلك بعد تأكيد برنامج الأغذية العالمي أن هناك خطراً كبيراً جدياً لحدوث مجاعة، دفعته إلى الخشية من أن تؤدّي الأحداث إلى انهيار كامل للنظام العام، وزيادة الضغط الكبير من أجل النزوح الجماعي إلى مصر، في أخطر عملية تطهير عرقي يشهدها التاريخ الحديث، مشدّداً على أنّ القيود والحواجز والعقبات التي يفرضها جيش العدوان الصهيوني في قطاع غزة تجعل تلبية منظمات الأمم المتحدة لاحتياجات السكان صعبة للغاية، وهو ما دفعه للكتابة إلى مجلس الأمن الدولي مستشهداً بالمادة 99 (لأننا وصلنا إلى نقطة الانهيار).
فقد وردت المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة في الفصل الـ15 الذي يتعلق بالأمانة العامة للمنظمة ومهام الأمين العام، وتقول المادة 99: (يحق للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدّد حفظ السلم والأمن الدوليين). وهذه المادة واحدة من بين خمس مواد في ميثاق الأمم المتحدة تحدّد مهام الأمين العام، وهي أكثرها أهمية في سياق السلام والأمن الدوليين.
وعبّر عن خشيته من أن تكون عواقب ما يحدث في قطاع غزة مدمّرة على أمن المنطقة برمّتها، وأضاف قائلاً: (لقد شهدنا بالفعل امتداد ما يحدث في قطاع غزة إلى الضفة الغربية المحتلة ولبنان وسورية واليمن والعراق).
وكانت ردود الفعل على تلك الجرائم والمجازر البشعة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة عديدة، حيث أكّد رياض منصور المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة، أنّ حرب الكيان الصهيوني بهذا الشكل الوحشي على قطاع غزة هدفها إنهاء القضية الفلسطينية والقضاء على السلام، وأنّ ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من جرائم وحشية يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية (جينوسايد)، وما يخطّط له الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب الأمريكي – الأوروبي هو أخطر عملية تطهير عرقي في عصرنا الحديث مترافقة مع سلب ممتلكات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة من خلال تهجيره قسراً بالحديد والنار، مستخدماً الأسلحة الفتاكة بكل أنواعها بما فيها الأسلحة المحرّمة دولياً.
كل ذلك يأتي تحت ذريعة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في حين أن أكثر من سبعين بالمائة من الضحايا مدنيون، مؤكداً أنّ هدف الكيان الصهيوني من الحرب على قطاع غزة واضح، وهو إجبار الشعب الفلسطيني على المغادرة.
إنّ مشروع القرار الذي تقدّمت به الإمارات وحظي بموافقة ثلاثة عشر صوتاً داخل مجلس الأمن الدولي ونحو مائة دولة في الأمم المتحدة، كان يمكن أن يُحدث اختراقاً كبيراً يساهم بشكلٍ كبير في وضع حدّ لهذه المأساة الإنسانية، والتهديد الكبير للأمن والسلام الدوليين، لكن الولايات المتحدة الأمريكية فضّلت بدلاً من ذلك منح الضوء الأخضر لاستمرار الحرب الصهيونية الوحشية على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الثالث وألحقت خسائر غير مسبوقة بالشعب الفلسطيني، كما وضعت الكيان الصهيوني نفسه في أسوأ أزمة يواجهها في تاريخه القصير.
لو نجح مجلس الأمن الدولي في تبني ذلك القرار المتوازن، لحقق نصراً للأمم المتحدة وللشرعية الدولية والتزاماً بالقانون الدولي، وحماية لمبادئ السلم العالمي، التي يفترض أن الدول الكبرى، أحرص من غيرها على الوفاء بها في الأزمات كأزمة قطاع غزة بشكلٍ خاص والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، ولاسيما في ظل إجماع ساحق على ضرورة إنهاء هذه الحرب المدمّرة لكل الأطراف.
إنّ فشل مجلس الأمن الدولي في تبنّي موقف يفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة أصاب أغلب دول العالم بالإحباط، وطرح تساؤلاتٍ مشروعة عن وظيفة مجلس الأمن الدولي، والنظام الدولي الذي أنشأه. وإذا فشل في فرض الإرادة الدولية، فلن يكون له بعد ذلك أي دور حقيقي، وخصوصاً في القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية التي كانت ضحية عجزه أكثر من خمسة وسبعين عاماً. ولأن الكيان الصهيوني يحظى بدعم أمريكي مطلق، فقد منع حق النقض (الفيتو) عشرات القرارات الأممية من تطبيق الشرعية الدولية، وحرم الشعب العربي الفلسطيني من الحماية أمام آلة الاحتلال ومخططاته الإجرامية. وفي ظل ما يجري في قطاع غزة، فإن الوضع بات حرجاً جداً، وبات العالم اليوم أحوج ما يكون إلى توحيد معاييره الأخلاقية والانحياز للإنسانية جمعاء.
بعد هذا الفشل، لا يوجد أي مبرر أخلاقي أو عسكري أو أمني أو سياسي لاستمرار هذا النزيف الفلسطيني في غزة، وعلى المجتمع الدولي ألا ييأس من التمسك بالشرعية الدولية والقانون الدولي ومؤسساته وفي صدارتها مجلس الأمن الدولي. ومع عدم إقرار مشروع القرار، فإن إجماع الأغلبية الساحقة من الأعضاء على تأييده يمثل خطوة جادة ومشجّعة على إعادة المحاولة حتى إرغام الكيان الصهيوني على الانصياع إلى الإرادة الدولية وفرض وقف لهذه الحرب الوحشية المجنونة، التي لم يعرف التاريخ المرئي مثيلاً لما شهدته من قتل مجاني للأطفال والنساء والأطباء والصحفيين وتدمير المستشفيات ودور العبادة والمدارس وخيام النازحين، وكلها انتهاكات وجرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية ولا يمكن الاستهانة بتداعياتها ليس على منطقتنا العربية فحسب، بل على النظام الدولي ومؤسساته وإداراته وهيئاته وأولها مجلس الأمن الدولي نفسه.