تراكم الأخطاء يضرب الخبرات ويشلّ تنمية المهارات! التجريب لا يجلب للمؤسسات إلا الخسارات المتتالية!
البعث الأسبوعية –غسان فطوم
عادي أن يخطئ الإنسان أثناء العمل، فمن يعمل معرّض للخطأ في أي مكان وزمان، والخطأ دائماً ما يكون بوابة النجاح، لكن أن نخطئ ولا نتعلم من أخطائنا فهنا تكمن الخطورة، والمشكلة المربكة أن يستمر الخطأ لسنوات طويلة دون البحث عل حلول لإصلاحه رغم توفرها لكن تحتاج لمن يعرف استثمارها وتوظيفها بالزمان والمكان المناسبين!.
إن جردة حساب لعمل مؤسساتنا في مواقع مختلفة نجد أن بعضها قد يخطئ كثيراً وينجح قليلاً، والسؤال لماذا استمرار تكرار الخطأ وانكماش النجاح في بعض المؤسسات، هل هو بسبب ضعف الكوادر الإدارية أم في ضعف الموارد وسوء استثمارها؟!
التفكير التقليدي
خبراء في الإدارة الاقتصادية والتخطيط يرون أن اعتماد التفكير التقليدي في إدارة المؤسسات غالباً ما يكون السبب الأول في فشلها أو تعثرها في تحقيق أهدافها، ويؤكدون أن سوء الإدارة والتخطيط العشوائي يساهمان إلى حد كبير في الوقوع بأخطاء كارثية تتجلى بسوء الإنتاج وتسرّب الكوادر وهدر الإمكانات المتاحة عندما لا توظف بشكل صحيح، أي تُهدر في غير مكانها، وأشار بعضهم إلى وجود العديد من المؤسسات التي تعيد جزءاً كبيراً من موازنتها الاستثمارية السنوية لخزينة الدولة لعجزها عن صرفها أو استثمارها، رغم وجود إمكانية لذلك، أو يتم التصرف بها بإقامة مشاريع خلبية تحقق منافع ومصالح شخصية أكثر من المصلحة العامة!
يرفضون التغيير
ولطلبة قسم الإدارة في كليات الاقتصاد رأي آخر، إذ يعتبرون أن الأخطاء القاتلة في عمل أي مؤسسة تقع عندما تفشل الإدارة في التأقلم مع الجديد في مجال تخصصها أو عملها، وكأنها تقاوم التغيير والتطوير وتخاف منه، وذلك بعكس القاعدة التي تقول “لا تطوير من دون تغيير”، متسائلين: أين القادة الإداريين الذين تم تأهيلهم وتدريبهم في المعهد العالي لإدارة الأعمال /هبا/ الذي يهدف للمساهمة فـي التطوير والتحديث الإداري وتنمية الموارد البشرية؟!
سؤال هام
السؤال السابق جعل البعض من طلبة الإدارة يدعون إلى إعادة تأهيل وتدريب المفاصل الإدارية، وبرأيهم أن زمن التجريب من أجل معرفة الصّح من الخطأ قد ولّى فهو لا يجلب للمؤسسات غير الخيبات والوقوع في الخطأ لأكثر من مرّة، مؤكدين أن التأهيل والتدريب أفضل استثمار في المستقبل في أي مجال من المجالات من أجل تنمية المهارات وصقل الخبرات وبالنتيجة تحسين جودة الأداء والإنتاج وكذلك تعزيز الثقة بين الإدارة والعاملين في المؤسسة كبيرة كانت أم صغيرة.
التخطيط المسبق
ومن الأخطاء الأخرى التي ترتكب في مؤسساتنا هي عدم التخطيط المسبق وهذا ما يؤدي بالمحصلة لوقوع المؤسسة في مشكلات كثيرة، والمؤسف أن العديد من المؤسسات تُقدم على تنفيذ المشاريع دون خطة مسبقة لذا غالباً ما يكون الفشل من نصيبها، وهذا ما يدعونا للتساؤل: هل نحن نعيش أزمة تخطيط؟!
يبدو ذلك، فمن خلال نظرة على واقع مشاريعنا نجد أن بعضها دون الطموح وغير مناسبة لخططنا وأهدافنا التنموية، والسبب بلا شك يكمن في عدم وجود دراسة متأنية ومستفيضة لمخططات المشروع وجدواه الاقتصادية، وذلك يظهر عندما يصبح أو يوضع في الاستثمار، عدا عن وجود مشاريع تم رصد مليارات الليرات لها ولكن توقف العمل بها لاكتشاف الأخطاء في التخطيط وسوء التنفيذ، كسد السخابة في محافظة اللاذقية على سبيل المثال لا الحصر، والذي فات على العمل فيه أكثر من ربع قرن لم نحصد منها إلا هدر المال العام والوقت، وهو مثال واضح على الوقوع في الأخطاء الكارثية بسبب سوء التخطيط لهذا السد الذي كنّا نعول عليه كثيراً!.
أخطاء بالوراثة
والمشكلة في بعض المؤسسات أن تراكم الأخطاء فيها يتغلب على تراكم الخبرات، حيث يلاحظ أن الإدارات المتعاقبة تتوارث عن بعضها الأخطاء بدلاً من تصحيحها، وهذا ما يدل على افتقارنا للكوادر الإدارية المدربة و المحترفة في مجال التخطيط والتنفيذ علماً أنه لدينا قامات وطنية لكنها لم تُمنح الثقة، فهي إمّا مهمّشة أو هاجرت، عدا عن تفضيل الخبير الأجنبي عليها!.
وما يزيد من نسبة الأخطاء، هو عدم الاعتراف بها وتحليلها لنستفيد منها، فلو امتلكنا ثقافة الاعتراف بالخطأ لما وقعت المؤسسات بالأخطاء الكثيرة أو استمر تعثر الإصلاح الإداري.
أهداف جميلة
المؤسف أن نرى أهدافاً جميلة للعديد من المشاريع التنموية في كل المجالات، لكن لا إمكانية لتنفيذها أو لا توضع الخطط المناسبة لتجسيدها على أرض الواقع، حيث تبقى الأهداف مكتوبة على الورق وموضوعة على الرف أو منسية في الأدراج!
بالمختصر، “الاعتراف بالخطأ نصف العلاج”، وهذه فضيلة لا يتقنها إلا الأقوياء، كما أنها قاعدة أساسية في الإصلاح الإداري، ونحن أحوج ما نكون للقرار الشجاع بالاعتراف أننا أخطأنا هنا أو هناك؟
لا شك في أن هذه الشفافية والوضوح في التعاطي مع الحالة الراهنة لكل مؤسسة يضع الأمور على الطريق الصحيح في ازدهار المؤسسات وبالنتيجة بناء المجتمع، فليس الخطأ في الفشل وإنما بعدم اعترافنا فيه ومحاولة تجميله!.