ماذا يخسر الأديب عندما “يهكّر” حسابه على الـ”فيسبوك”؟
نجوى صليبه
أرسل شاب إلى أهله، يخبرهم عن حاله وأحواله في الغربة ويحدّثهم عن البلد الذي قصده للعمل بعد أن ضاقت فيه الحال، وأخيراً ذيّل رسالته بملاحظة صغيرة مفادها أنّه كان سيرسل لهم مبلغاً من المال، لكنّه يخاف من موظّف البريد الذي يفتح الرّسائل ويقرأها وربّما يسرق محتوياتها، لذلك سيضطر إلى أن يبقيه معه حتّى يعطيه ربّ العمل إجازةً يستطيع السّفر خلالها، وبعد وقت قصير يتلقى الشّاب رسالةً من أهله مرفقةً بملاحظة مكتوب عليها: “اطمئن يا سيدي نحن لا نفتح رسائلكم”، قصّة أو نكتة كانت تُحكى للتّندر على ما ساد في زمن مضى من رقابة وحذر وتجسس أيضاً على رسائل ومراسلات المواطنين ولا سيّما أصحاب القلم والفكر حينها، أمّا مثالنا الحقيقي فهو ما قاله الشّاعر محمود درويش عندما جمع والشّاعر سميح القاسم رسائل غادة السّمان وغسّان كنفاني في كتاب: “لن نخذل أحداً وسنقلب التّقاليد، من عادة النّاشرين أو الورثة أن يجمعوها في كتاب، لكن هنا نصمم الكتاب ونضع الرّسائل، لعبتنا مكشوفة، سنعلّق سيرتنا على السّطوح، أو نواري الخجل من كتابة المذكّرات في كتابة الرّسائل”، فيردّ عليه القاسم بالقول: “مسكين ساعي البريد المتنقّل بيننا مثل رقّاص السّاعة”.
لم تكن هذه الرّسائل الأولى ولا الأخيرة التي سّربت لأدباء ومثقفين عرب أو حتّى أجانب، أو لنقل كُشف سرّها، أو “فضح أمرها” كما يميل البعض إلى القول، وذلك نظراً لكونها أمور خاصّة، وثانياً لأنّها نُشرت من دون موافقة أصحابها في معظمها، والقول السّائد أو الدّارج: “لو أرادوا لنشروها في حياتهم”.
أمّا اليوم، ومع انقراض الرّسائل ومن ثمّ الورق، صار هناك أساليب جديدة للتّجسس على الأدباء واختراق خصوصياتهم و”دردشاتهم” عبر وسائل التّواصل الاجتماعي ومن خلال “تهكير” وسرقة حساباتهم على هذه الوسائل، وهم الذين كانوا إلى وقت قريب لا يخطرون على بال المهكّرين أو السّارقين، لأنّ التّركيز كان على الفنّانين وأصحاب الأموال والسّياسيين، لكن الأوضاع في المنطقة، اليوم، مختلفة كثيراً عمّا مضى، نقصد طبعاً “طوفان الأقصى” والبطولات التي حققتها المقاومة في حربها مع الاحتلال الإسرائيلي، والتّأييد والدّعم الافتراضي الذي قدّمه الأدباء والمثقفون عبر حساباتهم على وسائل التّواصل الاجتماعي من خلال تكثيف النّشر للمقاطع المصوّرة والصّور لمجازر الاحتلال بحقّ الأطفال والنّساء والشّيوخ، تقول الشّاعرة سناء الصّباغ: “تهكير الحساب أو حذفه بالكامل من شبكة التّواصل الاجتماعي “فيسبوك” كان بسبب المعايير المجحفة وغير الدّيمقراطية من إدارة الشّركة المالكة، ولاسيّما أنّنا منذ سنوات كنّا نكتب بحريةٍ أكثر، ولم يكن هناك هكذا تقييد، وذلك بسبب “طوفان الأقصى”، وللأسف هناك لجان عربية هي من يضع هذه القيود”.
وتضيف الصّباغ التي اضطرت إلى إنشاء حساب جديد بعد الاستيلاء على حسابها السّابق: “أنا أكتب الكثير من القصائد أو المنشورات على الـ”فيسبوك” من دون الاحتفاظ فيها على الجوّال الذي قد لا يتّسع للكثير، كذلك أحفظ على حسابي كلّ الصّور والفعّاليات والمناسبات التي فور حاجتي إليها أنسخها مباشرة، اليوم، كلّ هذا ذهب ولم يعد موجوداً سوى ما كنت حفظته على الجوّال من قصائد جمعتها وطبعتها في كتاب قبل شهر من حدوث موجة الاستيلاء هذه، كذلك الخسارة خسارة نفسية ومعنوية وهي الأصدقاء الذين لم نعد قادرين على تجميعهم”، مضيفةً: “التّهكير أيضاً يكون بقصد الإساءة الشّخصية للأديب والإعلامي وسرقة معلوماته التي يجب أن تكون محفوظة على موقع الجهة التي يعمل فيها أو لمصلحتها، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النّاس أصبحت أكثر وعياً لهذه الأمور، وهكذا أساليب من تهكير وسرقة أصبحت غبية ومكشوفة للجميع”.
وهنا لابدّ من نشير إلى أنّ موجة التّهكير الأخيرة التي استهدفت أدباء ومثقّفين سوريين على اختلاف مشاربهم وأماكن وجودهم ضمن البلد، استغلّت الظّروف الاقتصادية الصّعبة التي يعيشونها ونعيشها جميعاً، فكان الـ”هكر” وفور استيلائه على حساب أحدهم يرسل رسالة واحدة لكلّ أصدقائه يخبرهم بوجود عمل في إحدى القنوات التّلفزيونية وبمبلغ ماليّ تماماً كما وصلنا من الرّوائي والقاصّ عبد الله نفّاخ الذي سرق حسابه وأنشأ حساباً آخر.
وبسؤال نفّاخ عمّا يخسره الأديب في حال الاستيلاء على حسابه الشّخصي عبر وسائل التّواصل الاجتماعي؟ يجيب: “أحسب الأديب يخاف أوّل ما يخاف ـ وهذا ما لمسته عند الأصدقاء ـ على أكتوباته التي قد لا يكون تسنى له حفظها خارج موقعه في وسائل التّواصل الاجتماعي، ولا سيّما الشّذّرات الصّغيرة التي لا مكان لها في وسيلة نشر أخرى، وقد لا يناسب دوماً جمعها في كتب.. شخصياً انزعجت على بعض تلك الأكتوبات فبعضها مجموع وبعضها الآخر للأسف لم أجمعه، لكنّي عموماً لم أخش على شيء شخصيّ فقد كنت منذ زمن شديد الحذر تجاه مواقع التّواصل إذ أعلم أنّها ليست آمنة كلياً”.
إذاً.. لا أحاديث خاصّة ولا دواوين مرسلة عبر البريد الخاصّ يخاف الأديب سرقتها ونشرها بغير اسمه، وتالياً لا خوف من “فضح أسراره” أو “كشف أوراقه” وخلافاته وغرامياته التي يرسلها عبر ميزة المحادثة الخاصّة، ولا مشروع لجمع هذه المراسلات الإلكترونية وطباعتها في كتاب.
والملفت للانتباه هنا، أنّه وعلى الرّغم من نجاح “الهكر” في تحقيق بعض أهدافهم، كذلك الأمر بالنّسبة للشركات المالكة لهذه الوسائل، نصرّ على عدم مقاطعتها أو الاستغناء عنها، تقول الصّبّاغ: “لا.. لا يمكن ذلك أبداً، ولا سيما في هذه الظّروف في ظلّ غلاء الكتب وارتفاع الأسعار، إذ يعتمد كثيرون على القراءة الإلكترونية، بالإضافة إلى الانتشار الذي تحققه هذه الوسائل، وأضرب مثالاً هنا، أديبة وتراسل العديد من الصّحف وتصرّ على إرسال مقالاتها بخطّ يدها، وترفض رفضاً قاطعاً أن تستخدم هذه التّقنيات، لذلك للأسف لا أحد يعرفها، حتّى عندما قبلت معي وأنشأت حساباً على الـ”فيسوك” ولا يوجد لديها أصدقاء غيري، هي وكما يقال “دقة قديمة”، مبينةً: “كثيرون يحبّون أن يعودوا إلى ما قبل هذه الوسائل، لكن في الحقيقة لا أحد سينفّذ ما يحبّ، أنا جرّبت أن أعطي نفسي استراحة من صفحتي القديمة لأنّ خبيراً بالتّكنولوجيا أخبرني بأنّه يستطيع استعادتها، لكنّي تريثت وقلت أريح رأسي قليلاً”.