مجلة البعث الأسبوعية

انتهى زمن أمريكا.. روسيا تعلن عن نهاية العالم المالي الغربي وولادة نظام جديد

البعث الأسبوعية- هيفاء علي

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرّرة في آذار 2024، ولم يكن هذا الإعلان مفاجئاً، وحقيقة أنه اختار مناسبة احتفال في الكرملين لتقديم أوسمة بطل روسيا للجنود الذين شاركوا في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا لإصدار هذا الإعلان أمر لافت للنظر، حيث تبيّن أن بوتين كان يستجيب لعظة من بطل جمهورية دونيتسك الشعبية أرتيوم جوغا، قائد كتيبة سبارتا الشهيرة.

وحسب المحللين، أثبتت الحرب في أوكرانيا أنها حدث حاسم في حياة بوتين السياسية، فعندما بدأت العملية العسكرية الخاصة في أواخر شباط 2022، اعتقد البعض خطأً أنها ستكون قصيرة الأجل وأن الرئيس الأوكراني سيقبل عرض روسيا للتفاوض، وانتهى الأمر ببوتين إلى الخروج بالعملية ال…

* إن الصراع الأساسي بين العالمين “القديم” و”الجديد”، الذي نضج تحت السطح خلال العقود الثلاثة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، “دخل مرحلة مفتوحة” مع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة واكتسب “طابعاً جغرافياً عالمياً” خلال العام الماضي.

* هناك عدد متزايد من البلدان التي “تتقاسم أفكار التعدّدية القطبية وتلتزم برؤية عالمية تقليدية” تقاوم أجندة الغرب العالمية المناهضة للإنسانية، وبالتالي، تتضاعف مخاطر عدم الاستقرار، ما يؤدّي إلى زيادة الطبيعة الفوضوية للعمليات التي تجري على ساحة السياسة الخارجية، ويتطلب الوضع الناشئ “قدراً كبيراً من ضبط النفس والبصيرة” من زعماء العالم.

* باختصار، الوضع الحالي يذكّر بحالة الثورة الطبقية، عندما لم تعُد “الطبقات العليا”، في مواجهة ضعف الولايات المتحدة، قادرة على ضمان قيادتها، ولم تعُد “الطبقات السفلى”، كما تسمّيها النخبة الأنغلوسكسونية، ترغب في الانصياع لإملاءات الغرب.

* من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية، سوف تتبع النخبة الأوروبية الأطلسية المسار المعتاد المتمثل في خلق الفوضى الخاضعة للرقابة، وزعزعة استقرار الوضع في المناطق الرئيسية من خلال تأليب بعض الدول “المتمرّدة” ضد الآخرين و”تشكيل نظام فرعي حولها في العالم، على شكل من أشكال التحالفات العملياتية والتكتيكية التي يسيطر عليها الغرب”.

* ومع ذلك فإن “اللاعبين العالميين المسؤولين، وخاصة روسيا والصين والهند وبعض الدول الأخرى، يظهرون استعدادهم لمقاومة التهديدات الخارجية بحزم وتنفيذ إدارة الأزمات بشكل مستقل. وحتى أقرب حلفاء أميركا يتدافعون لتنويع علاقاتهم الخارجية في مواجهة انعدام الثقة في الولايات المتحدة باعتبارها الجهة الأمنية، وما العدوان الإسرائيلي الراهن على قطاع غزة سوى مثال واقعي للعديد من الساسة الغربيين.

• في مثل هذا السياق، “سوف يتسم المشهد العالمي بمزيد من تكثيف المواجهة بين المبدأين الجيوسياسيين، على وجه التحديد مبدأ “فرق تسد” الأنغلوسكسوني، والمبدأ القاري المتمثل في “اتحدوا ووحّدوا القاعدة” الذي يتعارض معها بشكل مباشر. وستظهر مظاهر هذه المواجهة الشرسة خلال العام المقبل حتى في أبعد مناطق العالم. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه في توقعات المحللين، ليست منطقة المحيط الهادئ الهندية، بل “العالم العربي” هو الذي سيظل “الساحة الرئيسية للنضال من أجل نظام عالمي جديد” في عام 2024.

روسيا تعلن نهاية العالم المالي الغربي

لا يتوقّف الاقتصاديون الغربيون عن تأكيد مسألة مقاومة الاقتصاد الروسي للعقوبات الغربية الكيدية الرامية إلى إضعافه. ولكن مجرّد ولادة فكرة اعتماد عملة مشتركة داخل مجموعة بريكس، التي كانت فرضية تم الدفاع عنها بشأن استبدال اليورو بالدولار، أكبر دليل على ترسيخ قوة الاقتصاد الروسي. الأمر المؤكد هو أن الأمر يتعلق بشكل خاص بناقلات نفط أوبك، وهو ما حظرته الولايات المتحدة دائماً ويمكن الإدراك بشكل أفضل أهمية تحدّي التدخل في أوكرانيا الذي أعطى الإشارة لمثل هذا التحرّر العسكري والنفطي.

لقد أكّد بوتين في منتدى “روسيا تنادي” أن النظام المالي الغربي عفا عليه الزمن من حيث التقنيات الجديدة والقديمة، ووفقاً لخبراء الاقتصاد، سيؤدّي هذا في السنوات المقبلة إلى ثورة حقيقية من شأنها أن تهزّ في نهاية المطاف احتكار البنوك الغربية الكبرى. واستشهد بوتين بـ”بعض الزملاء الغربيين” الذين أرادوا، من خلال حظر تشغيل أنظمة الدفع في روسيا، جعل الروس يعانون، وأرادوا “خلق مشكلات لملايين العائلات الروسية، متسائلاً ماذا حدث في الممارسة العملية؟”، مؤكداً من خلال إجابته عن هذا التساؤل، أن المواطنين والشركات لم يلاحظوا الانتقال السلس إلى نظام الدفع الوطني، الذي يعمل الآن ويتطوّر بنجاح. ونتيجة لذلك، توقفت روسيا، عن دفع العمولات للشركات الغربية، ولم تخسر الأخيرة بدورها سوى ما كان من الممكن أن تكسبه في روسيا، ولم تتحقق الأهداف التي حدّدها المنتقدون.

وأوضح بوتين: نحن نعزّز فقط سيادتنا في هذه المنطقة، ونفعل ذلك بثقة كاملة”.

وحسب الخبراء، بدأت روسيا في إعداد البنية التحتية المالية الخاصة بها مسبقاً، بمجرد سماع التهديدات بفصل روسيا عن نظام “سويفت” و”ماستر كارد” و”فيزا”.

أولاً، في عام 2014، تم إنشاء نظام بطاقة الدفع الوطنية لمعالجة معاملات البطاقات المصرفية في روسيا، يليه نظام الدفع الوطني “مير”، الذي يعمل بنشاط منذ عام 2015. ومن ثم تم إطلاق نظام الرسائل المالية لنظام تحويل الأموال “اف ام اس” الخاص بالبنك، وتم إطلاق خدمة “سويفت” الروسية -وهي نظير لـ”سويفت” الغربية. لذلك فإن العقوبات المالية القاسية من الغرب وفصل البنوك الروسية عن سو…
يعارض المنظمون في العديد من الدول الغربية ذلك بشدة، لأن هذا المجال يفلت من نفوذهم ولا يخضع لسيطرتهم ولا لسيطرة البنوك الخاضعة لهم، كما يوضح مكسيم ماركوف، الأستاذ المشارك في قسم الأسواق المالية العالمية والتكنولوجيا المالية في جامعة بليخانوف الاقتصادية الروسية. ففي روسيا، يمكن بالفعل تنفيذ جميع المعاملات المالية تقريباً باستخدام التطبيقات المصرفية عبر الهاتف الذكي أو الكمبيوتر، وعلى هذا النطاق، لا توجد هذه الإمكانية عملياً في أي بلد آخر في العالم، كما يؤكّد ماركوف. ومنذ آب 2023، بدأت روسيا في اختبار الروبل الرقمي، الذي يعتمد تداوله على استخدام تقنية التسجيل عبر الإنترنت “بلوك تشين”، وهي آلية متقدّمة لقواعد البيانات تسمح بمشاركة المعلومات بشكل شفاف داخل شبكة الأعمال، وهي دفتر

الأستاذ الرقمي الذي يتم فيه تسجيل المعاملات.
يكمن احتكار البنوك الغربية الكبرى في حقيقة أن معظم تسويات التجارة الخارجية بين الدول تتم بالدولار الأمريكي من خلال نظام التحويل عبر الحدود “سويفت”، بينما تحصل البنوك المراسلة الأمريكية على عمولات على جميع هذه المعاملات. ومع ذلك، فإن هذه البنية التحتية أصبحت قديمة مع تحوّل المزيد من الدول إلى التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية باستخدام أنظمة تحويل الأموال الأخرى، وفق ما أشار إليه فلاديمير تشيرنوف، المحلل في فريدوم فاينانس غلوبال، الذي أضاف: ظهرت أنظمة الدفع الحديثة على شكل تقنيات “بلوك تشين”، وهي لا مركزية، لذا لا يمكن حظر أصولها أو تجميدها، ويمكن للمنظمين فقط تقييد عمل بورصات العملات المشفرة في منطقتهم، ولكن لا يمكنهم نقل تقنية “بلوك تشين” بأنفسهم، لذلك، أعطت الدول الغربية الضوء الأخضر لتطوير عمليات نقل “بلوكشين” مع حظرها الخاص، الذي بفضله

انهار احتكارها وأصبحت عقوباتها المالية غير ذات أهمية.
وبناء على ما تقدّم، فإن الثورة في النظام المالي العالمي أمر ممكن، وخاصة عندما يتم الحديث عنها على هذا المستوى الرفيع ويتم بذل كل شيء لتحقيق ذلك، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن ذلك يمكن أن يحدث بسرعة، لأن أغلبية التسويات المتبادلة في علاقات التجارة الخارجية حول العالم لا تزال تتم بالدولار الأمريكي من خلال نظام سويفت، وقد يستغرق التحول الكامل من الأنموذج السابق وقتاً طويلاً.
وهنا يتساءل تشيرنوف عمّا يجب فعله حتى تكون الثورة أسرع ويتم القضاء نهائياً على احتكار النظام المالي الغربي؟.

في البداية، كانت البنوك الروسية مرتبطة بنظام تحويل الأموال الدولي الصيني، لكنه ليس مثالياً، فهو يسمح فقط بالتحويلات باليوان الصيني، أما بالنسبة للتجارة مع الصين، التي حطم حجم مبيعاتها كل الأرقام القياسية التاريخية، فهي عملية، ولكنها ليست الشريك التجاري الوحيد لروسيا. “ستكون روسيا ودول أخرى قادرة على إحداث ثورة في هذا الوضع من خلال إنشاء عملة موحّدة لدول بريكس، مدعومة باحتياطيات الذهب لدى هذه البلدان، أو الأصول الحقيقية الأخرى، مثل المعادن والهيدروكربونات والمعادن والمواد الخام وما إلى ذلك.

وعلى هذا الأساس، أصبح من الممكن بالفعل إنشاء نظام مشترك جديد للمدفوعات المالية عبر الحدود، ومن الصعب تحديد مدى السرعة التي ستتم بها هذه العملية، ولكن من المرجّح أن تتسارع بالتوازي مع توسّع منظمة بريكس، حسب تشيرنوف.