صحيفة البعثمحليات

التجربة أساس القرار..!

غسان فطوم 
أثار قرار وزارة التربية بإلغاء الدورة التكميلية وأتمتة الامتحانات الكثير من الأخذ والرد في الوسط التعليمي والتربوي، وداخل البيت السوري، فمنهم من انتقد الخطوة بحجة أن التوقيت غير مناسب وسيحدث إرباكاً وتشويشاً، وأن البنية التحتية للأتمتة غير جاهزة، ومنهم من أيّدها لوجود أسباب داعمة لاتخاذ القرار، بل وذهبوا، أبعد من ذلك، إلى أن الوزارة تأخرت في قراراتها في إنقاذ التعليم التربوي من الغرق وإعادته إلى مساره الصحيح، خاصة ما يتعلق بالقضاء على الفساد في العملية الامتحانية الذي أفرز متفوقين مزيفين سقطوا مع أول اختبار على المقاعد الجامعية وضيّعوا فرصاً على متفوقين حقيقيين درسوا وتعبوا ونالوا ما يستحقون من درجات.
وما بين (مع وضدّ)، نجد أن قرارات الوزارة جيدة لمنظومتنا التعليمية التربوية وصولاً إلى الجامعية وسنلحظ آثارها الإيجابية مستقبلاً، فنحن اليوم بحاجة إلى مثل هذه القرارات الجريئة وعدم التريث بها، بغض النظر عن توقيتها الذي رآه البعض من المختصين وعامة الأهالي أنه غير مناسب كون القرارات أتت فجأة وبمنتصف العام الدراسي، وغيرها من ملاحظات أو تحفظات، لكن في هذه الجزئية نرى أنه ليس كل الأمور تُؤخذ ويحكم عليها بالعاطفة، وإنما نحتاج لتحكيم العقل، فالكل يدرك أن واقع منظومتنا التعليمية بشقيها التربوي والجامعي وصلت بعد أكثرة من عشر سنوات حرب إلى حالة سيئة، حيث “نخر سوس” الفساد الامتحانات الثانوية بشكل خاص، وطال مصداقية الشهادة الجامعية السورية. ونقولها بكل شفافية إنه في مرحلة من المراحل كدنا نفقد الثقة في مدارسنا نتيجة الممارسات التي كانت تحدث أثناء التسيب الإداري والتسرب الطلابي خلال الدوام العادي والغش العلني في الامتحانات، لذا نحن اليوم بأمس الحاجة إلى طمأنة البيت السوري وتحقيق العدالة في الامتحانات لنحقق بنتيجتها أفضل نسخة من الطلبة المتفوقين عن جدارة وليس بالغش، والوصول بالنتيجة إلى مخرجات مدرسية تتوافق مع متطلبات وحاجات الجامعة التي باتت هي الأخرى موضع انتقاد، خاصة ما يتعلق بالسنة التحضيرية التي ما زال الجدل بشأنها قائماً.
وللأمانة، وإذا ما نظرنا إلى وجهة نظر وزارة التربية، نجد في ردودها وتفسيراتها لأسباب اتخاذ قراراتها، أنها لم تجتهد أو ترتجل، وإنما هي “استنفدت مجهودات العشرات من التربويين والاختصاصيين الذين يتعاطون مع المسائل التربوية وتأثيرها المجتمعي ..”، كما أنها ستعتمد التجربة كأساس في الحكم على قراراتها باعتماد الأتمتة، فإن نجحت ستعتمد بشكل نهائي، وإن فشلت سيعاد النظر فيها.
بالمختصر، وبعيداً عن الجدل الحاصل، نجد أننا تأخرنا كثيراً في تحديث أدوات منظومتنا التعليمية التربوية والجامعية التي باتت تحتاج إلى ثورة لنفض الغبار العالق عليها، فنحن أحوج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعليم تربوي وجامعي عصري من طراز القرن الحالي، فالتحول الرقمي الذي نحاول أن نركب سفنه ونبحر بها كبقية دول العالم للوصول إلى شط الأمان لن ننجح بالوصول إليه طالما نعتمد على هكذا مدخلات ومخرجات مدرسية وجامعية ناتجة عن الحفظ والتلقين، لذا فاعتماد الأتمتة أسلوب امتحاني جيد للطلبة المتفوقين، وإلغاء الدورة التكميلية أيضاً قرار يصب في مصلحة تصويب نظامنا التعليم ليكون أكثر قوة في مواجهة التحديات والوصول إلى تعليم يعزز بناء شخصية طلبتنا ويقوّي معرفتهم بالعالم ويسهّل إدراكهم لما يجري من حولهم ويصنع منهم جيلاً شاباً متعلماً ومسؤولاً باقتدار.