بين أبو غريب وغزة.. المجرم واحد
طلال ياسر الزعبي
لا يزال جيش الكيان الصهيوني، المهزوم، معنوياً وعملياتياً، على الأرض، يحاول “صناعة” نصر يقدّمه للشارع الصهيوني الذي بدأ يشعر باليأس والإحباط إزاء عجز حكومته الصهيونية المتهالكة عن تحقيق أيّ إنجاز في عدوانها على غزة.
فبعد فشله في تحقيق أي “إنجاز” من خلال المجازر التي ارتكبها وحرب الإبادة التي شنّها على أطفال غزة ونسائها وشيوخها، يحاول الآن استلهام الأنموذج الأمريكي الذي ظهر جليّاً من خلال الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق، حيث تعمّدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، آنذاك، تسريب صور لمعتقلين عراقيين في السجن وهم عراة أمام سجّانيهم الأمريكيين الساديين الذين تعمّدوا إخراج هذه الصور في محاولة مقصودة ومتعمدة لإذلال السجناء أنفسهم، بل لإذلال الحاضنة الشعبية التي احتضنت المقاومة العراقية في وجه القوات الأمريكية الغازية، وقد تمّت دراسة هذا النوع من أنواع التعذيب بعناية في مراكز الدراسات الأمريكية المتخصّصة في علم النفس وتأثيراتها على المدى البعيد، بهدف قتل روح المقاومة وجذوتها ضد المحتل الأمريكي لإخراجه من العراق صاغراً، وقد حدث ذلك بالفعل.
والآن، وبعد تقليب جميع النماذج السادية التي يمكن أن يستعين بها الصهاينة الإسرائيليون لإيهام أنفسهم بأنهم انتصروا في معركتهم على المقاومة في غزة، لم يجد الجيش الصهيوني البائس واستخباراته أنموذجاً “جديراً بالاقتداء” غير هذا الأنموذج الغبي الذي جرّ على واشنطن هزيمة نكراء في العراق، ويقوم من ثم بنشر صور عبر وسائل إعلامه، ادّعى أنها لعناصر اعتقلهم من المقاومة الفلسطينية، وهم عُراة، في محاولة للتأثير على الرأي العام العربي والعالمي المؤيّد للمقاومة، والإيحاء بأنه استطاع إذلالها على الأرض وهزيمتها، وذلك في وقت لا تنفكّ المقاومة الفلسطينية عن نشر صور ومشاهد يومية، بل آنية، لعمليات تقوم بها ضدّ آلياته وجنوده من “المسافة صفر”، تؤكّد أن المقاومة في غزة غير مكبّلة وأنها قادرة على إيقاع هزيمة شنعاء بالجيش الصهيوني الذي “لا يُقهر”، بل تعمّق اليأس في صفوف جيشه المهزوم الذي على الرغم من الأعداد الكبيرة من الجنود والآليات التي استقدمها إلى غزة لم يستطع التثبيت في أي نقطة على الأرض.
غير أن هذا النهج السادي القديم الجديد، الذي مارسته الصهيونية تاريخياً في كل مكان حلّت به، انقلب وبالاً عليها في كل الأماكن، حيث أكّد المقاومون أنهم لا يستسلمون وأن شعارهم الدائم هو “هذا جهاد.. نصرٌ أو استشهاد”، وهو شعار جميع المقاومين في التاريخ.
فمشكلة الكيان الصهيوني، ومن ورائه الولايات المتحدة، هي المقاومة التي أذلّتهما. وبالتالي، فإن جميع ما يحاولون فبركته غرضه الأساسي الإيحاء بتحقيق أيّ نصر عليها، سواء أكان ذلك في فلسطين أم لبنان أم سورية والعراق واليمن، وهم يدركون جيّداً أن المقاومة ليست مجرّد شعار، وإنما هي فكر وسلوك وانتماء. ومهما حاولت الولايات المتحدة التخفيف من حجم الهزيمة التي انتابت الكيان الصهيوني على خلفية افتضاح فصول المسرحية المكشوفة والسخيفة لمدنيين عُزل جرّدهم الصهاينة من ملابسهم، عبر القول إنها تبحث “عن مزيد من المعلومات حول طبيعة هذه الصور”، فإنها لن تستطيع بثّ المعنويات في صفوف الشارع الصهيوني وجيشه في إمكانية تحقيق نصر في هذه المعركة، وهي تدرك جيّداً أن “إسرائيل” لم تحقق حتى الآن إلا “النصر” على الأطفال والنساء والمنازل، بينما جيشها لا يزال يستجدي قراراً بالخروج من غزة ولو بقدر قليل من ماء الوجه.
فهل تلقت البروباغندا الصهيونية إصابة في مقتل؟ وهل تأكد أن المجرم واحد، في غزة و”أبو غريب”؟!