سياسة الولايات المتحدة الصناعية خطأ كبير
هناء شروف
زعم بعض السياسيين الأمريكيين أن العولمة تسبّب مخاطر كبيرة على الاقتصاد في شكل حالة من عدم اليقين في السوق وأوبئة لا يمكن التنبّؤ بها وتدخل الدولة من المنافسين الجيوسياسيين.
تستطيع الولايات المتحدة تقديم إعانات دعم ضخمة للشركات والمنتجات بهدف تشجيع الاستثمار والإنتاج الصناعي المحلي من خلال مناورات اقتصادية جذرية مثل إقرار قانون خفض التضخم وقانون الرقائق. يطلق البعض على التدابير المذكورة أعلاه اسم المرونة العالمية أو فن الحكم الاقتصادي ومعظمهم يسمّونه “اقتصاد الوطن”. وهم يعتقدون أن الاقتصاد الوطني يشكل استجابة ضرورية لأربع صدمات كبرى، الأزمة الاقتصادية والصدمة الجيوسياسية وأزمة الطاقة والذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتلخّص الهدف النهائي في الحفاظ على فوائد العولمة وفي الوقت نفسه تجنّب السلبيات التي جلبتها من أجل خلق عالم أكثر أماناً وعدالة وخضرة.
السياسات الصناعية النظامية تعطي شكلاً جديداً من أشكال الحماية التجارية التي تهدف إلى إبطاء العولمة وتقويض قواعد التجارة المتعدّدة الأطراف، ويعتقد بعضهم بشكل أعمى أن العولمة هي السبب وراء انكماش السلسلة والانكماش الاقتصادي العالمي، وأن الحكومة يجب أن تشارك بشكل أكبر في أنشطتها الاقتصادية. إن الجشع هو الذي أدّى إلى فوضى الصناعة المالية في الولايات المتحدة وهو الذي أشعل أخيراً الأزمة الاقتصادية في عام 2008. وعلى نحو مماثل تم خلق الصراع الإقليمي بين روسيا وأوكرانيا والحروب في سورية وليبيا وأفغانستان والعراق عمداً من زعماء العالم. أرادت الولايات المتحدة الاستفادة من كل ما سبق وهذه كانت ردود أفعال القلق الاستراتيجي الأمريكي من فقدان هيمنته. ومن دون استفزازات متكرّرة من جانب الولايات المتحدة كيف يمكن أن تكون هناك حرب تجارية وصراعات مستمرة؟.
في مجال الطاقة لا تقصد الولايات المتحدة تعزيز الرفاهية العامة للقرية العالمية من خلال الحدّ من الكربون، وبدلاً من ذلك تحاول استخدامه كأداة سياسية لتقييد الآخرين. إذا تم دفع العولمة إلى الأمام بشكل مستمر فيمكن توزيع الطاقة في العالم بشكل رشيد، لكن الولايات المتحدة تحاول احتكار سوق الطاقة والاحتفاظ بالطاقة العالمية بين يديها.
وفي مجال الذكاء الاصطناعي تستخدم الولايات المتحدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الآن على نطاق واسع في مجالات التمويل والرعاية الطبية والنقل والتصنيع وغيرها من المجالات، ولها تأثير عميق في التنمية الاقتصادية وتقدّم الحضارة الإنسانية. وفي الوقت نفسه يمكن تجاهل المخاطر المحتملة مثل سرقة البيانات والهجمات الإلكترونية والأمن الاقتصادي وتسمّم البيانات والأمن العسكري. فمن ناحية يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة الفتاكة المستقلة لتحقيق مزايا المواجهة، ومن ناحية أخرى يمكنها ربط الشبكات وصنّاع القرار والمشغلين لجعل العمليات العسكرية أكثر استهدافاً وضربة على نطاق أوسع. لذلك فإن وجود بيئة اقتصادية وتنموية آمنة أمر بالغ الأهمية لجميع الأطراف المعنية وبدلاً من الانخراط في المواجهة والفصل وحرب باردة جديدة وتفكيك العولمة ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يعملوا على احتواء هذه المخاطر المحتملة من خلال التعاون والتنسيق لجعل العالم أكثر أماناً وخضرة.
أخيراً إن الاقتصاد الوطني هو تلاعب سياسي متآمر للسيطرة على الاقتصاد من الاعتبارات السياسية وخدمة الاستراتيجيات الجيوسياسية. إنه مجرّد ستار من الدخان لتطبيق عقلية الحرب الباردة الجديدة تحت ستار الاقتصاد. إن تصوّر الحفاظ على فوائد العولمة مع تجنّب مخاطرها ليس سوى وهم. جوهر العولمة هو الترابط بين رأس المال والتكنولوجيا والمنتجات والمعلومات والموارد البشرية في العالم للاستفادة من نقاط القوة لدى بعضها وتحسين تخصيص الموارد لمصلحة البشرية جمعاء. لكن ما يسمّى الاقتصاد الوطني يتعارض مع هذه الغاية، إنه مجرّد محاولة مؤقتة للولايات المتحدة لتوسيع هيمنتها، ولكنه ليس الدواء المناسب لمرضها. لذا فمن المحتم أن يجلب المزيد من المشكلات مثل التعافي الأكثر صعوبة والأطول أمداً للاقتصاد العالمي وارتفاع أعداد اللاجئين على مستوى العالم وزيادة حدة الصراعات.
مَن بدأ المشكلة عليه أن ينهيها، وبينما تتمتع الولايات المتحدة وحلفاؤها بالرفاهية الاجتماعية يتعيّن عليهم أيضاً تحمّل المزيد من المسؤوليات الدولية لأن سياساتهم الصناعية لا ينبغي أن تؤدّي إلى تنميتهم فحسب، بل يجب أن تؤدّي إلى التنمية المنسقة والمتناغمة للبشرية وعالمنا أيضاً.