كلمة الأسد في افتتاح اجتماعات اللجنة المركزية.. بداية مرحلة مفصلية
طلال ياسر الزعبي
يدرك السيّد الرئيس بشار الأسد، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، جيّداً أن المرحلة المقبلة مفصلية في تاريخ الحزب، من حيث كونه صاحب القاعدة الجماهيرية الكبرى في سورية، وهو بناء على ذلك يترتّب عليه أن يقدّم منهاج عمل واضحاً للمرحلتين الحالية والمقبلة بالنسبة إلى الحياة السياسية في البلاد، وخاصة فيما يتعلّق بمسألة الانتخابات.
فالمسألة تعتمد بالدرجة الأولى على إحداث تغيير في منظومة العمل الحزبي بالنسبة إلى حزب يمتلك أكبر قاعدة جماهيرية في سورية والوطن العربي، ولا بدّ بالتالي من أن يمتلك المرونة الكافية، وهو كذلك، حيث لا يعدم الحزب في مبادئه الأساسية عوامل المرونة والتجديد والتغيير، إذ إن المشكلة أصلاً لا تكمن في النظرية وإنما في التطبيق الأمين لهذه النظرية، وهذا يعني أن الحزب قادر ذاتياً على تصحيح جميع الانحرافات التي تسلّلت إلى التطبيق من خلال إعادة توجيه العمل الحزبي في الاتجاه الصحيح.
ومن هنا، فإن الحديث عن الانتخابات يجب أن يقود إلى مسألة أساسية، وهي أن أيّ تغيير في أشكال العلاقة بين الرفاق البعثيين، يجب أن يقود بالمحصّلة إلى تغيير مشابه في الدولة والمجتمع، وهذا يعني بالضرورة أن البداية يجب أن تكون من الحزب ذاته القادر فعلياً على تحقيق التغيير من الداخل، ما يقود إلى تصحيح المسار بشكل مفيد في الدولة والمجتمع، إذ لا يمكن معالجة الأخطاء في مجتمع ينتمي شريحة أساسية من أفراده إلى حزب لا يستطيع معالجة الأخطاء وتجاوزها.
وواضح أن المسألة الأساسية، التي ركّز عليها الرفيق الأمين العام للحزب، هي ضرورة الخروج من ظاهرة التعيين التي توحي بانعدام الثقة أو المحسوبيات، وهذا لا يمكن أن يكون إلا عبر تمكين القواعد من انتخاب قياداتها دون تدخّل المال الانتخابي أو المحسوبيات، ويجب أن تكون هناك آلية قادرة على منع القيادات من التحكّم باختيار القواعد، الأمر الذي يعزّز الإيجابيات ويساعد في معالجة السلبيات، لأننا الآن أمام واقع جديد لا يسمح مطلقاً بالتهرّب من الأخطاء، بل يدعو إلى مواجهتها.
ولأن الحزب يمتلك في أدبيّاته أصلاً هذه القدرة على التغيير والمواجهة، لا بدّ من التركيز على النقاط الثلاث التي تحدّث عنها الرفيق الأسد: الأولى طبعاً تتعلّق بتوسيع المشاركة في انتخابات القيادات لأنها ترفع من مستوى القواعد وتحمّلها مسؤولية الانتخاب ونتائجه أيضاً وتضعها أمام تحدٍّ يجب أن تقبله وتنهض بتبعاته، والثانية تجاوز مشكلات التدخلات والتكتلات السلبية المطروحة سابقاً، بما يرفع مستوى الوعي والأداء والالتزام، والثالثة حول تشكيل لجنة من غير المرشحين تشرف على هذه الانتخابات بهدف حماية القواعد من تدخل القيادات، وحماية القيادات من الاتهام بالتدخل، إذ إن هذه اللجنة لا تصدر عن قلّة الثقة بالقيادات المتسلسلة وإنما لتعزيز نزاهة الانتخابات وصولاً إلى هدف وطني كبير ينطلق من الالتزام والوعي والتربية، بما يمكّن العمل الحزبي ومؤسساته لاحقاً من تقديم أوراق عمل وحوارات وأفكار تخدم الدولة والمجتمع والحزب انخراطاً في سياسات وطنية تعمل على تحسين المنظومة العامة وتغييرها نحو الأفضل، وفق معايير وآليات جديدة ودقيقة ومضبوطة وواعدة.
لقد وضع الرئيس الأسد منهاج عمل واضحاً للممارسة الحزبية السليمة فيما يخص موضوع الانتخابات، حيث سيُفضي الالتزام الكامل بهذه المعايير الثلاث إلى انتخابات نزيهة تلقى قبولاً واضحاً من القواعد الحزبية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الممارسة الانتخابية ذاتها في المجتمع، بحيث تكون الانتخابات الحزبية قدوة لغيرها من العمليات الانتخابية في الدولة والمجتمع، وبالتالي فإن الاختيار السليم للقيادات الحزبية سيقود تلقائياً إلى اختيار سليم في مناصب الدولة، وهذا بحدّ ذاته يعدّ بداية لتصحيح كامل في الحزب والدولة والمجتمع.