أمين السّاطي يخوض في الأدب الطّفلي برفقة “الأمير والحوت الزّهري”
نجوى صليبه
هي التّجربة الأولى التي يخوضها القاصّ والرّوائي أمين السّاطي في مجال الأدب الطّفلي، لكنّ تبدو وكأنّها الأخيرة، ولا نذمّ أو نتوقّع شرّاً، بل على العكس نشيد بما قدّمه من حيث تمكّنه من الأدوات الفنّية وإدراك ما يحبّ ويجذب الطّفل من شكل الكتاب وألوان غلافه، ومن ثمّ الرّسومات التّوضيحية التي حرص على أن تقابل أي نصّ مهما بلغت مساحته، وهي رسوم خطّتها أنامل حفيده الذي يحمل اسمه، لتكون هذه أيضاً رسالة إلى الأسرة توجّههم نحو مشاركة الطّفل في هواياته واهتماماته والوثوق فيها ونقل هذه الثّقة إليه، فهنا يكون التّشجيع مضاعفاً، أمّا الرّسالة الأخرى التي يمكن أن نستشفّها من الإهداء فهي أنّ الرّوح تبقى طفلاً مهما بلغنا من العمر، ما دمنا نفكّر بالخير والحبّ وقادرين على نقله إلى من نحبّ، يقول السّاطي: “عندما يتقدّم الرّجل بالعمر، تصبح عائلته كلّ شيء في حياته.. إلى ولديّ منير وعمر وزوجتي ليلى وأحفادي الأربعة.. أهدي هذا الكتاب إشارةً إلى أنّي سأكون معهم دائماً.. شكراً لحفيدي أمين الذي ساهم معي في صناعة هذا الكتاب”.
وأمّا الرّسائل الخاصّة بالرّواية فسنقف عندها بعد التّعرّف على أحداثها وتفاصيلها، وبطلها أمير صغير “يودا” ينام وهو يحلم بحوتٍ زهريّ يشبه المجسّم الذي زيّن به والده ملك “جزيرة المرجان” كعكة عيد ميلاده الحادي عشر، في إشارة منه إلى أنّه من مواليد برج الحوت.. يستيقظ “يودا” من نومه وأحلامه، لكن الحوت الزّهري ما يزال يشغل تفكيره، لدرجة أنّه يسأل أستاذه عنه، فيشرح له أنّه حيوان يشبه الإنسان من حيث لديه رئتان ليتنفس عن طريقهما، وأنّ الأمهات تعتني بصغارها حتّى تكبر، وما زاد في حبّ الأمير “يودا” له هو قصّة الحوت الذي قذف رجلاً ابتلعه بالخطأ لأنّه لا يأكل البشر.
يقرّر “يودا” أن يبدأ رحلة البحث عن الحوت الزّهري، فيتسلّل باكراً ويخرج من القصر باتّجاه الشاطئ، وفي طريقه يرى حصاناً يجري بسرعة، ويحدّثه بغضب قائلاً: “لماذا لم تبتعد من طريقي”؟ فيندهش ويردّ عليه بسؤال: “حصان ويتكلم؟”، فيجيب الحصان “برونو”: “نعم.. تعلّمت لغتكم من صاحب المزرعة، ولغة الأحصنة من أمّي.. أما الآن فأنا مسرع لأبحث عن عمل من أجل أن أطعم عائلتي”.
معلومة يسمعها “يودا” أوّل مرّة، حصان ويفكّر بعائلته، يفكّر فيها قليلاً ثمّ يطلب منه أن يوصله إلى الشاطئ مقابل قطعة ذهبية، يوافق الحصان، ويخبره بأنّهما سيقضيان ليلة في قرية تقع على منتصف الطريق ومن ثم يغادران في الصّباح، وهناك يلتقيان بالدّجاجة “هينا” التي تصرخ في وجه “برونو”: “انتبه.. حتّى لا تدوس على صغاري”.
في الصّباح وهما يغادران يطلب “برونو” من “يودا” التّمسّك جيّداً، لأنّه سيسرع في مسيره تجنّباً لأذى ذئبين رآهما خلفه، وهنا أيضاً يندهش “يودا” من حاسة السّمع القوية التي يتمتّع بها صديقه، لأنّه لم يسمع شيئاً ثم عرف أيضاً أنّ حاسة البصر قوية لأنّه قفز فوق بركة ماء من دون سابق إنذار، يتابع الصّديقان سيرهما إلى أن يصلا إلى عجوز يصيد السّمك، طلب منه الأمير أن يدلّه على سفينة يمكنه من خلالها رؤية الحوت الزّهري، وبخبثٍ يطلب العجوز قطعةً ذهبية مقابل خدمته، ثمّ يشير إليه بالذّهاب إلى شاطئ “كانتورا”، حيث سيجد قبطاناً بعينٍ واحدة اسمه “كريستوفر” يصطاد الحيتان ويستخرج الزّيت منها وينير مصابيح سفينته “مارغريتا”، ومقابل خاتمه المرصّع قبله الكابتن ضيفاً على سفينته.
وعلى متن السّفينة شعر “يودا” بالكره الشّديد لهؤلاء الصّيادين، بسبب ما يفعلونه من جرائم بحقّ البحر وحيواناته، لكنّ أصواتهم تقطع تفكيره، فينصتُ لهم ويعرف أنّهم سيهجمون على حيتان تقترب من السّفينة، ولاحظ بعضهم وهم ينزلون بقواربهم الصّغيرة ويقتربون من الحيتان الزهرية، شعر بالخوف كثيراً وفكّر كيف يمكن أن ينقذها، ثمّ تذكّر المدفع الموجود في مقدمة السّفينة فذهب وأشعل البارود وانطلقت القذيفة، وسمعت صوتها الحيتان فضربت زوارق وقلبت أخرى، ثمّ اتجه أحدها نحو السّفينة وضربها، وصار يبحث عن الشّخص الذي أنقذهم وأدرك أنّه هو هذا الطّفل الذي ينظر إليه مباشرة بكلّ حبّ، فأخذه على ظهره وأوصله إلى الشّاطئ، ومن هناك عاد “يودا” إلى القصر بعد أن غاب يومين أو أكثر، وكان في استقباله والده، فوعده بألّا يغادر القصر مرّة أخرى من دون إذنه، كذلك وعد والدته ألّا يتسبب بحزنها وألّا يتركها وأخوته أبداً.
وعلى خلاف كثير من الأدب الطّفلي الذي يهتمّ بالشّكل ويهمل المضمون، يركّز السّاطي على أمور كثيرة، أوّلها تقديم القصّة الجميلة واللغة السّليمة، وثانيها: المعلومة العلمية، وثالثها: الخيال وتالياً المتعة، وأمّا رابعها فهي حبّ الأسرة واحترامها واحترام الوالدين والالتزام بقواعدها ومبادئها، وأخيراً لا بدّ من الحديث عن المفاجأة في أنّ الرّاوي لم يشأ أن ينهي روايته باستيقاظ الأمير الصّغير من نومه، وإظهار كلّ الأحداث على أنّها لا تتجاوز الحلم، بل على العكس تماماً وهذا ما يحتاجه الطّفل هو إمكانية تحقيق الأحلام وتحويلها إلى حقيقة بالشّغف والحبّ والعمل.