حزب البعث لن يترك الساحة المعرفية للجهلة
علي اليوسف
ربما يحق لنا القول أن حزب البعث العربي الاشتراكي، على الصعيد الوجودي، حمى سورية بالفلسفة المعرفية التي كان لها الفضل الأول في الاستمرار، ولم يترك المساحات المعرفية متروكة للجهلة المتطوعين لخدمة المشروع الأمريكي بلباس ثوب “الحرية”. فإذا كانت إنجازات حزب البعث قد غطت كل الساحة السورية، وشملت كل جوانب حياة المواطن السوري، فذلك جزء من أهداف وإستراتيجية الحزب الذي تبنى مشروع النهوض، وهذا مدعاة فخر للبعثيين الأوائل الذين صنعوا ثورة البعث، وللشعب السوري الذي احتضن الحزب، وساعد وساهم في إنجاز تلك الخطوات الكبيرة، وأمد الحزب بالدماء الشابة ورفدها بمقومات الاستمرار.
وبطبيعة الحال، فإن أي تجربة توضع على المحك لابد أن يرافق إنجازها أخطاء. ولإثبات حسن نواياها فإنها تتجاوز أخطاءها وتعمل على إصلاح ما ينتج عنها. وهذا ما حصل، ويحصل، فعلاً، في تجربة حزب البعث، حيث كانت مؤتمرات الحزب الدورية عبارة عن تقويم للمرحلة بين مؤتمر وآخر، وإعداد خطط للمرحلة القادمة، وهو ما شهدناه بالأمس في اجتماعات اللجنة المركزية للحزب، والتي شهدت مناقشة ودراسة مستفيضة ليست نابعة من أهواء أو اجتهادات فردية، بل من اشتراك جمعي بين كل قيادات الحزب مع أمينه العام، الرفيق بشار الأسد، ليتأكد للجميع دحض أهداف الاحتلال وعملائه في تحجيم سورية ودورها وقدرتها على النهوض رغم الصعاب.
اليوم، من المؤكد أن حزب البعث العربي الاشتراكي بدأ العدة لمرحلة ما بعد الحرب، فقد عكس اجتماع اللجنة المركزية إدراك القيادة الحزبية لتطورات المرحلة القادمة. وعليه، حملت نتائج الاجتماع إجراءات تنفيذية عكست سعياً لإعادة هيكلة الحزب وتنظيمه وضبط صفوفه، وتحديث خطابه لإعادة تفعيل دوره في الشارع السوري، تماشياً مع مختلف مآلات الحل السياسي في سورية، خاصةً أن حزب البعث يمتلك خبرة حزبية تنظيمية وقواعد حزبية ناجزة على مستوى الجغرافية السورية، إضافة إلى خبرة كوادره في العمل المؤسساتي الحكومي، مما يجعله يمتلك قدرة كبيرة على استقطاب شرائح اجتماعية مختلفة ومتباينة.
منذ الحرب الإرهابية على سورية، لجأ حزب البعث إلى عدة إجراءات وتغييرات طالت المفاصل التنظيمية للحزب وموقعه في الدولة والمجتمع، بدءاً من إلغاء المادة الثامنة من الدستور، إلى التغييرات في القيادة القطرية للحزب. واليوم، لا تبدو التعليمات التنظيمية الجديدة، في هذا الوقت بالذات، عبثية ضمن صفوف الحزب، خاصة وسط المتغيرات الإقليمية والدولية التي تحيط بسورية. وعليه، يمكن بقراءة أولية القول أن اجتماع اللجنة المركزية اليوم هو التأكيد على أهمية دور الحزب في المرحلة القادمة، وضرورة تغيير آليات عمله بشكل يتناسب مع التغيرات الطارئة على المجتمع عبر خلق آليات تواصل جديدة تتناسب مع الظروف، وتأخذ بعين الاعتبار مواكبة كل ما يحدث من تغيير في المجتمع، وتغيير خطاب الحزب وتجديده بشكل يتناسب مع الأجيال الجديدة، بالإضافة إلى التزام الحزب وسورية بالخط القومي العروبي، خاصةً وأن أحد أهم أهداف الحرب كان ضر الفكر القومي وإرغام سورية على التخلي عن الفكر العروبي.