حزب البعث.. حركة متجدّدة وقوة فاعلة تسعى للتغيير
د.معن منيف سليمان
كان حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نشأته، حركة متجدّدة الانبعاث اتسمت بالقدرة الذاتية على استيعاب المتغيّرات والتطوّرات والتفاعل معها دون الانكفاء عنها، بل التقاطها والانطلاق منها نحو آفاق جديدة من خلال ما يتميّز به حزب البعث كقوة حيّة فاعلة قادرة على استنهاض طاقة الإنسان بإيقاعات جديدة تواكب عجلة التطور ليغدو العمل الحزبي ممتداً على كامل مساحة الوطن ومحققاً للتلازم والتكامل بين البعدين النضالي والتثقيفي وصولاً إلى أعلى درجة في الانسجام بين هذين البعدين.
الدور الذي يأخذه حزب البعث كحزب قائد في المجتمع والدولة اتّجه باستمرار نحو هدف أساسي وهو تأمين الإنجازات العامة للشعب لأنه حزب العمال والفلاحين والكادحين وصغار الكسبة.
وبناء عليه، يناضل الحزب من أجل إنجاز الحقوق الوطنية للشعب العربي السوري، ومن أجل حقوق الفئات الفقيرة، وفي المقدمة منها العمال وفقراء الفلاحين, ويسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بمعني تحقيق أقصى درجات المساواة والرفاه الاجتماعي لكل أبناء المجتمع السوري, ويرى الحزب أن النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يكفل تحقيق هدف العدالة الاجتماعية هو النظام الاشتراكي المنسجم مع الواقع السوري، ويمتاز الحزب بمضمونه الديمقراطي من حيث حرصه على إشاعة الديمقراطية بين أعضائه في إطار الالتزام بتوجهات وقرارات الحزب، وكذلك بنضاله من أجل مجتمع سوري ديمقراطي حر يتمتع فيه كل أبناء الشعب السوري بحرية الرأي والانتماء السياسي والمعتقد الفكري وبكل الحقوق المدنية لكل مواطن.
إلى جانب الأهداف الوطنية التي يناضل من أجلها الحزب، هناك أهداف اجتماعية تعبّر عن مصالح الشعب وفي مقدّمتها مصالح الفقراء والعمال، وانطلاقاً من أن الحزب يقف إلى جانب المطالب العادلة لهذه الفئات، فإنه يناضل من أجل تحسين ظروف حياتهم وتحقيق أقصى درجات العدالة الاجتماعية والمساواة والعيش الكريم، ورفض سياسة التمييز والفساد والمحسوبية والفئوية والرشاوى، كما يناضل من أجل الحفاظ على المنجزات الديمقراطية لشعبنا، وفي مقدمتها حرية التعبير والانتماء السياسي، وحرية الصحافة والنشر وممارسة جميع النشاطات السياسية والمطلبية التي تعبّر عن مواقف ومصالح الأفراد والجماعات في إطار القانون.
الرسالة المستمرّة لحزب البعث فرضت على الحزب تحدّياتٍ كبيرة أفرزتها الأحداث والمتغيّرات المحيطة بسورية منذ عقود ومخططات التآمر على الأمة العربية وقواها القومية، وفي طليعتها حزب البعث الذي واجه تلك المخططات بفكر قومي متنوّر وبتجربة نضالية رائدة للحفاظ على هوية الأمة العربية وحضارتها ورسالتها الإنسانية.
ففي أثناء العدوان على سورية لجأ حزب البعث العربي الاشتراكي إلى عدّة إجراءات وتغييرات طالت المفاصل التنظيمية للحزب وموقعه في الدولة والمجتمع، بدءاً من إلغاء المادة الثامنة من الدستور، إلى التغييرات التي طالت القيادة القطرية للحزب في حزيران 2013، وكانت هذه التغييرات التنظيمية الأخيرة في ذلك الوقت بالذات مهمّة للغاية ضمن صفوف الحزب، وخاصة وسط المتغيرات المحلية والدولية والإقليمية التي يشهدها الملف السوري والتي تضعه على أعتاب حلّ سياسي محتمل.
إن تحوّل الحزب إلى قوة فاعلة ومؤثرة في المواقع المختلفة، يعتمد على عدة عوامل يأتي في مقدمها الإرادة الصادقة لكل أعضاء الحزب وحرصهم على إبراز مواقف الحزب وسياسته في مختلف الأوساط الشعبية، والالتزام الصلب بشروط العضوية وبواجبات العضو الحزبي، والوقوف إلى جانب الجماهير والدفاع عن قضاياها بكل مبدئية وجرأة، وتقديم أنموذج مشرق لأخلاق عضو الحزب، الملتزم بقضايا شعبه الوطنية والاجتماعية، والتحلي بالصفات المجيدة للمناضل، والمبادرة بنسج وبناء العلاقة مع الوسط الموجود فيه كل عضو حزبي، داخل الأسرة والمدرسة والعمل والحارة وفي أي مكان، وتطوير هذه العلاقة باتجاه التفاعل مع أنشطة الحزب، والعمل على ضمّ أعضاء جدد للحزب، وخاصة ممن تتوفّر فيهم صفات إيجابية ومميزة.
وللعضو حقوق وواجبات في الحزب, وفي مقدمة ذلك حقه في المشاركة في رسم سياسة الحزب، والانتخاب والترشح لهيئات الحزب المختلفة، وحقه في انتقاد هيئات الحزب ومحاسبتها وفق الأصول، وحقه في أن يقف الحزب إلي جانبه حال تعرّضه للأذى بسبب مواقفه وكفاحه المنطلق من مواقف الحزب وسياسته, كما للعضو الحق في التعبير عن وجهة نظره بكل حرية والدفاع عنها داخل هيئته الحزبية. ومن واجب العضو تنفيذ سياسة الحزب, والمشاركة في الاجتماعات والقيام بالأنشطة التي تكلّفه بها هيئته الحزبية, وكذلك الدفاع عن الحزب ونشر رسالته المتجدّدة.
وفي مجمل الأحوال يعيب منتقدو البعث تمسّكه بخطاب قديم يعود لمرحلة الستينيات، وعدم سعيه إلى تجديد وسائله في الاتصال والحشد الجماهيري حتى تساير التغيّرات المتسارعة التي غيّرت كثيراً في زوايا النظر للقضايا العربية.
وبناء على ذلك تحمل هذه التغييرات التنظيمية في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي مؤشّراتٍ على عدّة مستويات، وخاصّة في ظلّ المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي يشهدها الملف السوري في الوقت الراهن، وهذا ما يتطلب من اللجنة المركزية السعي نحو تفعيل دور الحزب ومؤسساته في الشارع السوري، وتنشيط الفعاليات الحزبية والأعضاء وإعادة تعبئتهم استعداداً لأية مرحلة سياسية محتملة، عبر التركيز على المفاصل الأساسية للمجتمع.
إن حزب البعث هو حزب القواعد وليس حزب القيادات، وبالتالي فإن قواعد الحزب هي صاحبة المبادرة في كل عمل حزبي، وهنا يكمن انعكاس المركزية على علاقة القيادات بالقواعد الحزبية وما يتوجّب عمله استعادة طاقة البعثي للنهوض بالبعث، لأن الفرد هو ركيزة أي تطوير، وحزب البعث يستند إلى فكر حضاري أصيل يشكّل منبعاً ثرّاً للعمل والإبداع، ولذلك يفنى الزمان ولا يفنى البعث بفكره وبإرثه وبرسالته الحضارية السامية، وإذا كانت كل الأحزاب التي عاصرت نشوء وولادة البعث أحزاباً مرحلية فإن البعث حزب متجدّد ومستمر بالأهداف التي نادى بها وبالقيم والمبادئ التي يناضل من أجلها.