النهج الأمريكي المخادع حول المناخ والطاقة
ريا خوري
قرّرت الإدارة الأمريكية أن تزجّ بكل ثقلها في مؤتمر المناخ “كوب 28″، فأرسلت وفداً رفيع المستوى إلى إمارة دبي للمشاركة فيه، بهدف المزيد من الضغط على الوفود الأخرى من أجل تحقيق المصالح الأمريكية الاستراتيجية.
وبينما كان الوفد الأمريكي في مؤتمر (كوب 28) في إمارة دبي يقود الحملة على قطاع الطاقة من نفط وغاز باعتباره مسؤولاً رئيسياً عن انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وتغيّر المناخ، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن صدور أرقام إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط والغاز الذي ارتفع بمعدلات عالية جداً وغير مسبوقة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري ٢٠٢٣م، وبمستوى إنتاج نفطي تجاوز ثلاثة عشر مليون برميل يومياً، أي أعلى من إنتاج المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية أكبر منتجين في تحالف منظمة (أوبك+).
كذلك ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي بمعدل عالٍ وغير مسبوق ليصل إلى مائة وخمسة وعشرين مليار قدم مكعبة يومياً. وأصبحت الولايات المتحدة الآن تنتج برميلاً من بين كل ثمانية براميل نفط تنتج عالمياً. وزادت صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً لتصبح ثاني أكبر دولة مصدّرة عالمياً بعد المملكة العربية السعودية.
ومع كل هذا وذاك بقيت الإدارة الأمريكية تردّد أنّها ترغب في تبوّؤ موقع الريادة الأوّل في مكافحة التغيّر المناخي والحد من الاحتباس الحراري، وخفض الاعتماد على زيت الوقود الأحفوري لمصلحة الطاقة النظيفة والمتجدّدة.
ترافق ذلك مع توسّع إدارة بايدن في منح تراخيص الاستكشاف والإنتاج في البر والبحر، وحتى في جميع المناطق التي كانت تعدّ محمياتٍ طبيعية يحظر التنقيب فيها. هذا السلوك الأمريكي يشبه ما قامت به الحكومة البريطانية التي ادّعت الريادة في مكافحة تغيّر المناخ حين استضافت مؤتمر المناخ (كوب 26) العام قبل الماضي، وقرّرت مؤخراً توسعة منح تصاريح التنقيب والإنتاج عن النفط والغاز في بحر الشمال وغيره لزيادة إنتاجها من الطاقة.
إن السعي المستمرّ للولايات المتحدة الأمريكية في هذا النهج له أهداف سياسية خارجية، وهو زيادة حصة الولايات المتحدة الأمريكية من سوق الطاقة العالمية على حساب حصة المنتجين والمصدّرين التقليديين في العالم. وبالتالي قدرتها على التلاعب بتوازن العرض والطلب في مجال الطاقة، وإلغاء أي تأثير لقرارات الإنتاج من جانب منظمة (أوبك) وحلفائها وشركائها.
ليس هذا فحسب، بل أيضاً زيادة اعتماد القارة الأوروبية، على واردات الطاقة من غاز ونفط من الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من الصادرات الروسية التي تخضع لعقوبات شديدة وصارمة منذ العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا العام الماضي. فمع تخلّي دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص وبقية دول أوروبا عن استيراد الغاز والنفط الروسي، زادت الولايات المتحدة على سبيل المثال صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى القارة الأوروبية بما يقارب الخمس، فضلاً عن الأرباح الهائلة التي وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية للشركات الأمريكية المنتجة الضخمة، إذ إن أسعار الغاز المسال أعلى بكثير من أسعار الغاز الذي يتم نقله عبر الأنابيب التي كانت تنقل أكثر من أربعين في المئة من احتياجات الغاز الأوروبية من جمهورية روسيا الاتحادية، وهناك أيضاً ترسيخ اعتماد الدول الأوروبية على الولايات المتحدة مصدراً للطاقة. فكيف تطالب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بقية دول العالم بعدم الاستثمار في زيادة إنتاجها للطاقة لمواجهة تغيّر المناخ بينما هي تفعل العكس تماماً.
ونحن ندرك أنه من الطبيعي أنّ من حق كل دولة من دول العالم العمل على تنمية مواردها وزيادة إنتاجها من الطاقة بكل أنواعها بالطريقة التي تراها مناسبة لها وتحقّق مصالحها بالدرجة الأولى. لكن النفاق والخداع والتضليل التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا، تكمن في توجيه أصبع الاتهام للآخرين بزيادة الانبعاثات الحرارية وزيادة الاحتباس الحراري في الجو، بينما تعدّ هي أكبر ملوّث للبيئة ومصدر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
لقد تعالت الأصوات حتى في الولايات المتحدة الأمريكية رافضة ذلك النهج، حيث قال (جيف ميركلي) عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي: (إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تفتقد إلى أي أرضية أخلاقية لقيادة خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري). لكن طبعاً كل شيء مباحٌ في السياسة حتى النفاق والمراوغة والخداع بأن تعظ الولايات المتحدة الأمريكية الآخرين بما لا تفعله هي للدفع بمصالحها على حسابهم الخاص.