“تذكرة الدخول “!
بشير فرزان
لم تسلم الشخصية الحالمة التي جسدها الفنان نهاد قلعي في مسرحية غربة “أبو ريشة” من التشويه عندما أقدم الكثيرون على تقمص حالتها المرضية ومحاولة خطف القيمة الرمزية التي تمثلها تلك الريشة في عالم الاختلاف عن الآخرين سواء بأسلوب التفكير أو التعاطي مع حقائق الواقع المرير وطبعاً الدخول إلى عالم الشخصيات الجديدة التي تلعب دور أبو ريشة على مسرح الواقع ليس بالأمر الصعب خاصة مع تعدد الأبواب التي فتحت أمامها بسهولة في غياب الرادع القانوني وضبابية المعايير وتمادي المحسوبيات في قهر الكفاءات والإبداعات وتزوير الوقائع.
فإذا دخلنا مثلاً من الباب الثقافي والأدبي إلى الساحة الفكرية سنسمك بشخصية “أبو ريشة” متورطة بعمليات السرقة لأصالة الكلمة وهوية الحرف.. والكلام هنا يخص بعض مكونات الطبقة المثقفة وتحديداً النسخ المزورة من الأدباء والشعراء (وماأكثرهم) الذين أمعنوا في انتهاك الهوية الفكرية الأدبية وتلاعبوا بالقيمة الإنسانية والثقافية وقللوا من أهميتها وتسللوا إلى مقاعد المؤسسات الثقافية واتحاد الكتاب من أبواب الحداثة والعصرية المصحوبة بزوابع الدعم غير المحدود والغايات غير “المحمودة ” فتصدروا الصفحات والشاشات وباتت المنابر تصدح بمنتجاتهم والمكتبات تزخر بكتبهم وإبداعاتهم التي لا تستفز سامعها أو قارئها فقط بضحالة مستواها وهبوط قيمتها الثقافية والفكرية بل وتدخله في غيبوبة فكرية وحالة من العصف الذهني والهذيان الدائم بعبارة (حسبي الله ونعم الوكيل).
وما يؤلم أكثر أن التعرف على شخصية من يحمل حقيبة إبداعاته الأدبية وينتقل بها من دار نشر إلى أخرى ومن مركز ثقافي إلى آخر بحثاً عن سامع لهلوساته وخواطره أو قارىء لمخطوطاته وكتبه.. يكشف حقيقة تلك الشخصيات المشغولة دائما في إنتاج الطلاسم التي كانت سبباً في عزلة المراكز الثقافية وهجرة الناس لمقاعدها والأخطر من ذلك كله اللغة الوضيعة التي تستخدمها مكونات هذه الطبقة المثقفة وعدم معرفتها بأبسط القواعد اللغوية وحتى الإملائية ولكن وللأسف هذه الحقائق لا تملك القدرة على انتزاع ريشة الأديب أو الشاعر منها أو حتى التأثير على عضويتها في اتحاد الكتاب الذي احتضن أعمالها ووضعها في خانة الانجاز والتعداد الرقمي.
ولاشك أن ما حدث ويحدث على الساحة الثقافية مع احترامنا لقاماتها الفكرية والأدبية يحدث على الساحة الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الميادين المكتنزة بالشخصيات ذوات الريش التي تمنح تذاكر الدخول إلى مناحي جديدة بصورة غير شرعية ودون الأخذ بالمعايير التي يتم تجاوزها بطريقة بهلوانية وطبعاً تشابه الأوجاع والأمراض في كل القطاعات يمنحنا فرصة التعميم المشفوع بوجود الشخصيات المبدعة التي وأن تم إقصاءها وحرمانها ونتف ريشها إلا أنها حضورها حقيقي بعملها وإخلاصها وإنتاجها ورفضها حجز تذاكر الطائرات المهاجرة.