مجلة البعث الأسبوعية

عين المواطن على المستورد منها! الزراعات الاستوائية رغم نجاحها لم تخرج من دوامة التجارب الفردية

البعث الأسبوعية – ميس بركات

في الوقت الذي لا زالت الحكومة تضع خططها وتجمع حساباتها الربحية وتطرح خسارتها لجهة التسويق الصحيح والمُجدي لأطراف العملية الزراعية سارع فلاحو الأشجار المثمرة من تفاح وحمضيات وغيرها من الفواكه لقطع أشجارهم وبيعها على هي كحطب كي لا تذهب خسارتهم هباء منثوراً، والبدء بمشاريع زراعة الفواكه الاستوائية بشكل “بسيط” قبل أعوام قليلة، لتنجح هذه الزراعة عند أصحابها، الأمر الذي جعل التفكير عند باقي الفلاحين بهذا المشروع لا يحتمل الانتظار سيّما وأن الحكومة لا زالت تثبت عجزها في تسويق محاصيلهم عاماً تلو الآخر، لنشهد ازدياداً ملحوظاً لأصناف الفواكه الاستوائية المحلية المنشأ في المحال التجارية.

فشل سياسة تسعير

وعلى الرغم من أن رؤية هذه الفواكه لم تعد أمراً غير اعتيادي، إلّا أن شرائها لا زال محط تفكير وتمحيص بسعرها للغالبية العظمى من المواطنين بعد أن فاق في الكثير من الأحيان سعرها حين كنّا نستوردها، الأمر الذي يثبت مجدداً فشل الجهات المعنية بوضع سياسة تسعير مقبولة للفلاح والمستهلك، لتغدو هذه الفواكه كغيرها من الفواكه “بنت البلد” البعيدة كل البعد اليوم عن سفرة السوريين لقلة الإنتاج نتيجة إحجام المزارعين عن قطافها  وبالتالي ارتفاع سعرها، لنصل آجلاً أم عاجلاً في حال استمر الوضع على ما هو عليه  -حسب أهل الاختصاص- لاستيراد التفاح والحمضيات والاكتفاء الذاتي بالفواكه الاستوائية بدلاً من استيرادها، بالتالي وقوعنا في فخ الاستيراد مجدداً، وتغنينا بزراعات “عيرة” لا مناخنا ولا مواطننا اعتاد عليها، الأمر الذي يؤكده تجار سوق الهال عند عرضهم للموز المحلي والمستورد وتغنّيهم بالمستورد كون مذاقه كالعسل، ومناداتهم بأعلى صوتهم للموز السوري بالخيار الأصفر.

دعم “بالقلّة”

ولأن التوجه لهذه الزراعة لا زال في بدايته كان للقائمين عليه رأيهم السلبي بتعاون وزارة الزراعة معهم، وبقاءها موضع “المتفرّج” المحايد على تجاربهم التي إن نجحت ستتبناها وإن فشلت ستتنحى جانباً، إذ يرى محمود الدردر صاحب أحد مشاريع الزراعة الاستوائية أن أغلب القائمين على هذه الزراعة أمّنوا بذار التجارب الأولى بطرق غير نظامية لتنجح هذه التجارب بعد أقل من خمس سنوات وتنتشر في الكثير من القرى الساحلية، إلّا أن نجاحها هذا لم يؤتِ أُكله حتى اليوم في وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين، في حين أن العائد المادي المحصود من هذه الزراعة تفوّق على زراعة الأشجار المثمرة المحلية السابقة بكثير، متوقعاً انتشار هذه الزراعة خلال العشر سنوات القادمة واستحواذها على المساحات المزروعة بالحمضيات وغيرها من المحاصيل، لافتاً إلى أن سعر هذه الفواكه منخفض مقارنة بتكاليف زراعتها وأسعارها حين كنّا نستوردها، إذ أن جميع الأنواع تحتاج إلى رطوبة وحرارة ومياه ري جيدة وتوجد أنواع تحتاج للظل، وعن صعوبة تسويقها تحدث الدردر عن عدم وجود صعوبة في تسويقها كون الإنتاج لا زال قليل، مشيراً إلى أن الحديث عن التصدير لا زال مبكراً، ونفى الحديث عن ارتفاع سعرها وعدم وجود قوة شرائية لدى المواطنين لتناولها فلكل صنف من الفواكه المحلية كانت أم الاستوائية زبائنه الخاصّين.

ضد إحلالها كبدائل

بدوره نفى الخبير التنموي “أكرم عفيف” الأقاويل التي تشير إلى أن هذه الزراعة حلّت محل الحمضيات لافتاً إلى أننا اليوم كمن يختبأ خلف إصبعه ويحل المشكلة بمشكلة أكبر، فبدلاً من البحث عن حلول جذرية تساعد على استمرار زراعة الحمضيات وتطويرها وتطعمي الأشجار لمدة عام للوصول إلى حمضيات تصلح للعصير، تركنا الفلاح يبحث ويجرّب لوحده بعد خسارته لعشر سنوات في مواسم الحمضيات، وشبّه عفيف الفلاح الذي يقتلع أشجاره كمن يقتلع أظافره، مشيراً إلى أن الكثير من الفلاحين اقتلعوا الحمضيات وزرعوا الزيتون عوضاً عنها كونها لا تحتاج كالحمضيات لتكاليف عالية وكون مردودها المادي خلال أعوام الأخيرة كان كبيراً، ناهيك عن عدم قدرتهم على الخوض في تجارب زراعات استوائية ربما تفشل وربما تنجح، فأراضيهم وإمكانياتهم غير قابلة للخوض في هذه التجارب،  لافتاً إلى أن سياسة التسعير الفاشلة التي تتبعها الحكومة أدت لخروج كامل الإنتاج الزراعي خارج العملية الإنتاجية وبقاء بعض المحاصيل غير الإستراتيجية تواجه المعركة الإنتاجية الزراعية، ولم ينكر عفيف أهمية التوجه للزراعات الاستوائية لكن بشروط محددة يأتي في طليعتها عدم إحلالها كبدائل للمحاصيل المحلية الهامة والتي كانت ترفد خزينة الدولة بشكل كبير، أما هذه الزراعات فهي غير قابلة للتصدير كون الإنتاج ضعيف وكوننا دُخلاء على زراعتها ناهيك عن أنها غير شعبية الاستهلاك كوننا اليوم نعيش في حالة تضخم وغلاء تجعل من الخضار كماليات للشريحة العظمى من المواطنين فكيف الحال مع هذه الفواكه.

بانتظار الدعم

أحمد الهلال رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين لفت إلى أن مستلزمات الزراعة الاستوائية ليست موجودة  في المديريات والارشاديات الزراعية كون هذه الزراعات لم تخرج حتى اليوم من دائرة التجارب الفردية، لافتاً إلى أن المردود المادي لها حتى اليوم أفضل من بقية المحاصيل كون الكميات لا زالت منخفضة مقارنة ببقية المحاصيل كالحمضيات مثلاً، ولم يُخف الهلال عدم وجود أي توجه بزراعة المحاصيل الاستوائية لأسباب كثيرة، إضافة إلى عدم حاجتنا لاستيراد الفواكه الاستوائية، خاصّة وأن الإنتاج المحلي يزداد عاماً تلو الآخر بالتالي غطّى الإنتاج هذا العام حاجة السوق المحلية، إلّا أن الحديث عن تصدير هذه الزراعات لازال مبكراً كوننا في بداية الطريق ولا نملك بيئة ومناخ ومستلزمات نجاح هذه الزراعات مئة بالمئة مقارنة بدول المنشأ لها!.