من يملك الوعي يمتلك الحقيقة
طلال ياسر الزعبي
بعد نحو اثني عشر عاماً من الحرب الكونية التي شنّها الغرب الجماعي على سورية، مسخّراً لها كل أدواته في الداخل والإقليم والعالم، ومستخدماً كل شياطين الأرض وعصابات الجريمة المنظمة ومراكز الدراسات والحرب النفسية، في سبيل تدمير سورية وتحويلها إلى كانتونات تابعة للكيان الصهيوني، جاء السيّد الرئيس بشار الأسد ليقول لجميع هؤلاء: إن سورية بعد كل هذا الجهد المبذول لتركيعها أو لتدجينها كما كانوا يعتقدون، عصيّة على القياد، لأنها أصيلة بطبعها تماماً كالفرس الأصيل الذي يرفض أن يأكل الطعام من أيدي مَن حاول إذلاله عليه.
سورية التي عانت طوال السنوات الماضية أبشع أنواع الحروب التي ابتكرها الغرب الجماعي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية راعية الإرهاب في العالم، لن تغيّر مبادئها التي حاربت من أجلها طوال فترة وجودها، بل هي مستمرّة في فضح جميع السياسات الخبيثة ليس في منطقتنا فحسب، بل في العالم أجمع، لأننا في سورية نمتلك الحقيقة، ومن يمتلك الحقيقة لا يستطيع أحد أن يملي عليه ما يريد.
هذه الحقيقة هي ذاتها التي تقول: إن جميع ما حدث في العالم خلال القرنين الماضيين من حروب ومآسٍ ودمار تقف خلفه الصهيونية العالمية، فليس صحيحاً أن الغرب هو الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية، لأن الغرب تحالف مع النازية لغزو الاتحاد السوفييتي وهزيمته، وعلى الأقل تدمير الطرفين معاً، وهو ذاته الذي زوّر الحقائق فيما يخص المحرقة التي كانت مخصّصة لجميع معارضي الزعيم النازي هتلر، وليس فقط لليهود الذين يتم الحديث عن ستة ملايين قتيل منهم مشكوك في أمرهم، في الوقت الذي يتناسى فيه الجميع ستة وعشرين مليوناً من السوفييت قتلوا في هذه الحرب.
هذه الحقيقة هي التي تم تزويرها لإقناع العالم بضرورة زرع هذا الكيان السرطاني المصطنع في جسد الأمة العربية، ولإحلال شذّاذ الآفاق المرتزقة محل الشعب الفلسطيني الأصيل، وهي ذاتها التي جعلت الصهيونية توجّه حقدها نحو كل من يفضح هذه الأمور، ويعلن صراحة أنه عصيّ على الخداع والتزوير، بل هي ذاتها التي جعلت سورية هدفاً لكل المؤامرات عبر التاريخ، لأن المعركة هي معركة الحقيقة، معركة الوعي، ولم يتمكّن الغرب الجماعي من كيّ الوعي في سورية التي تمسكت دائماً بمبادئها وبقضاياها العادلة، فالشعب الذي يمتلك القضية والتاريخ والجغرافيا هو الذي سيمتلك هدفاً يقاتل من أجله، أما الشعب الذي تم تجميعه من شتى بقاع الأرض فهو شعب مرتزق لا يستطيع مطلقاً الدفاع عن وجوده لأنه ببساطة لا يمتلك أيّاً من روابط الأصالة.
والحقيقة الكبرى التي ظهرت بشكل جليّ وواضح في العدوان الصهيوني المستمر على غزة، هي أن الكيان الصهيوني المسخ ظهر عارياً، حيث لا يستطيع أن يقاتل وحيداً دون وجود حاملات الطائرات الغربية في البحر التي حضرت لنجدته، بعد أن شعرت دول الاستعمار أنه بات على حافة الانهيار والزوال، بينما يمتلك الشعب الفلسطيني جميع المؤهّلات للدفاع عن قضيّته التي بقيت حاضرة ولم يتمكّن العدو من قتلها بالتقادم، فالقضية عادت إلى بداياتها وهي أن هناك شعباً معتدى عليه محتلة أرضه يقاتل عدوّاً سلبه أرضه وحريّته ومقدّساته، وهذا هو أكبر نصر حققته المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب، وهذا ما جعل مجموعة من المقاتلين تمرّغ أنف الجيش الصهيوني في التراب.
فالكيان الصهيوني أضعف بكثير ممّا يتوهّم بعض الناس في العالم العربي، وهو يحمل عوامل الموت الذاتية، ولكن الأوكسجين العربي هو الذي يحييه، ولأن ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلام، وأن الموت واحد في كلتا الحالتين، فعلينا جميعاً أن نموت بشرف، لا أن نموت ميتة الجبناء.
وبناء على ذلك كله “أثبتت حرب فلسطين بالمحصلة، والمقاومات، أن التكنولوجيا أهم من السلاح وأن العقيدة أصلب من قسوة الإرهاب والإجرام، وأن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وأن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة، وأن الانبطاح أمام الأعداء هو ليس خياراً وإنما انتحار”.