لم يعد محصولا استراتيجيا!
علي عبود
لاتزال الحكومات المتعاقبة تصر على وصف القمح بالمحصول “الإستراتيجي” على الرغم من فقدانه لهذه الصفة منذ أن فرّطت حكومة (2003 ـ 2010) بأكثر من 5 ملايين طن كانت أحتياطي سورية من أهم مادة غذائية في العالم على مدى تسعينيات القرن الماضي، وحولتنا من مصدر إلى مستورد لهذه المادة!
وبدلا من أن تقوم الحكومات السابقة، منذ عام 2011، بإعادة صفة “الإستراتيجي” إلى مادة القمح، فإنها استمرت بالإعتماد على استيراد كميات كبيرة أكبر بكثير من التي ننتجها، وبالتالي فإننا نسأل: كيف نطلق “الإستراتيجي” على مادة مستوردة مصرين على عدم إنتاج كفايتنا منها بالإعتماد على الذات؟
المنطق يقول أن مادة القمح، إذا كانت فعليا “استراتيجية”، بالأفعال وليس بالأقوال، فيجب أن تؤمن الحكومة مستلزمات إنتاجها بالأوقات المناسبة، والأسعار التي تشجع الفلاحين على إنتاج ما يزيد عن حاجة سورية من مادة لطالما استخدمها الغرب للهيمنة على الدول التي تحتاجها!
نعم، سورية قادرة على إنتاج أكثر من مليوني طن من المساحات المزروعة في المناطق الآمنة، أي ما يزيد عن حاجتها لو وفرت الحكومة مستلزماتها من الأسمدة والمحروقات والمياه.. إلخ، لكنها لم تفعلها منذ عام 2021، ولا يبدو أنها ستفعلها في موسم قمح 2024!!
واستنادا إلى تجارب السنوات القليلة الماضية، لن نراهن على المساحة الإجمالية المخطط لزراعتها بالقمح والبالغة حسب تصريحات وزير الزراعة 1.493 مليون هكتار، وإنما الرهان يجب أن يكون على المساحة المزروعة في المناطق الآمنة، والبالغة 537 ألف هكتار، والسؤال: كم يمكن أن تنتج المساحة “الآمنة”؟
وزير الزراعة يؤكد أن المناطق “الآمنة” ستنتج 1.208 مليون طن، وهذا الرقم لم يتحقق حتى في موسم عام القمح 2022، وإذا تحقق لا يكفي احتياجات سورية، والسؤال: لماذا لم يتحقق هذا الرقم في المواسم السابقة؟ ولماذا لن يتحقق في موسم 2024؟
بما أن وسطي مردود الهكتار الواحد من القمح لم يقل عن 3 أطنان في حقبة “الأولوية للزراعة”، فهذا يعني أن مساحة المناطق “الآمنة” يجب أن تنتج ما لا يقل عن 1.5 مليون طن من القمح، لكن إنتاجها يتطلب تأمين مستلزماتها بالأوقات المناسبة والأسعار المدعومة.
ونقولها بصراحة مطلقة أن من يريد إنتاج ما يكفينا من محصول القمح ويعتبره فعلا ـ لا قولا فقط ـ محصولا “استراتيجيا”، يجب أن يوفر لمزارعيه في المناطق الآمنة احتياجاتهم من الأسمدة والمحروقات والمياه في الأوقات المناسبة والأسعار المدعومة، لا أن يقوم برفع هذه المستلزمات إلى مستويات جعلت الزراعة بأنواعها حكرا على المقتدرين ماليا فقط. وها هو التنظيم الفلاحي يحذر بعد رفع أسعار الأسمدة مرتين خلال أقل من شهرين، وفي ذروة زراعة موسم القمج، إن أكثر من 50 % من الفلاحين سيهجرون المحاصيل التي كانت ذات يوم “استراتيجية”!
وكل المؤشرات القادمة من المحافظات، وتحديدا من المناطق “الآمنة”، مقلقة جدا على صعيد عدم كفاية حاجة محصول القمح، مايعني أن موسم 2024 لن يقل سوءا عن المواسم السابقة!
وليس القمح فقط فقد صفة “الإستراتيجي”، فهناك محاصيل أخرى فقدت هذه الصفة منذ سنوات، كالقطن الذي تحولت سورية إلى استيراده محلوجا، وهي التي اشتهرت على مدى عقود بتصديره خاما ونسيجا وغزولا وألبسة جاهزة.. إلخ.
لن يُصدّق أي صناعي أن سورية عاجزة عن إنتاج ما يكفي معامل الحلج من القطن، وما يكفي لتشغيل معامل النسيج والغزل والأبسة في القطاعين العام والخاص.
الخلاصة.. باعتماد بيع أسعار مستلزمات الزراعة بأسعار السوق، أيّ رفعها المرة تلو المرة، مع عدم تأمينها بالكميات الكافية، من الطبيعي أن يصبح نهج الأولولية للزراعة من الماضي الجميل، ومن الطبيعي أكثر أن يفقد أكثر من محصول مثل القمح والقطن والشوندر صفة “الإستراتيجي” ما دمنا نعتمد على تأمينه بالإستيراد، لا بإنتاجه بالاعتماد على الذات!!