تحقيقاتصحيفة البعث

بخمسة وعشرين ألف ليرة.. علماء الفلك “المحليون” على الأبواب لقراءة طالع العام الجديد

ميس بركات

بعيداً عن أسعار أشجار عيد الميلاد وزينتها التي تصل إلى الملايين، واعتكاف الكثيرين عن شرائها، ووسط ركود أسواق الألبسة وعزوف المواطنين عن مظاهر الفرح والزينة والحلويات والألبسة والبهجة التي من المفترض أن تكون زائراً لكل بيت هذه الأيام، كان للمكتبات وبسطات الكتب حال مغاير لتلك الأسواق، إذ تنفض هذه المكتبات عن نفسها غبار أشهر طويلة وتعود لتتجدد بضعة أسابيع مع نهاية كل عام على طبق “علماء الفلك” الذين “ينشط سوقهم هاليومين” بكُتب وكُتيبات تشرح بالتفصيل لمترقبيهم ما سيحصل معهم يومياً على مدار العام القادم، إذ أصبحت متابعة هؤلاء موضة لدى فئة ليست بالقليلة من الشباب والمراهقين وحتى الناضجين والمثقفين، وبات تغليب شراء هذه الكتب على الثياب والحلويات سمة غالبة على الكثيرين ممن وجدوا بقشة الأمل المنبعثة من كلام هؤلاء حلاً لتجاوز ثقل الأيام الماضية.

تنجيم على الأبواب
ومن يتابع أحاديث العامة هذه الأيام يجد أن السؤال المتصدّر لهم “لأي برج ستبتسم هذه السنة”…وغيره من الأسئلة التي تصب في التوقعات والتكهنات وطالع من هذا العام، لتختلط الأبراج والحظوظ والمصائب والعواقب وتختلف من منجم إلى عالم فلك إلى “بصارة” وبرّاجة لم تترك هذه المناسبة تُفلت من يدها، فانتشار النساء في الحدائق خلال أيام السنة ومناداتهم للعابرين بهدف التنجيم لهم امتدّ هذا العام ليصل إلى أبواب المنازل، إذ لم يترك المنجمون الساحة “لبابا نويل” المُستعار وهداياه للتفرّد بالمال وحده، بل انتشرت خلال الأسابيع الماضية ظاهرة التنجيم على أبواب المنازل حيث تدور بعض النسوة في الأحياء ويلتقطن رزقهن من التبصير لربّات المنازل وقراءة الطالع لهن وما سيخبئ لهن العام القادم.

الإعلام أولاً
وبين الخمسة وعشرين ألفا، والخمسين ألفا، كان سعر “التبصيرة” عالباب، في حين تجاوز سعر بعض كتب الأبراج المئة ألف ليرة، بالتالي فإن اختصار شراء الكتاب أو ترقب هؤلاء العلماء على شاشات التلفاز أو الموبايل يمكن اختصاره ببضع دقائق على الباب وبسعر لا بأس به، لتجد الدكتورة يسرى سليمان، (علم الاجتماع) عدم القدرة اليوم على تحييد أي فئة عمرية سوى الأطفال أو حتى أي شريحة مثقفة أو متعلمة أو غير متعلمة عن متابعة علماء الفلك الذين غزو قنواتنا ومحطاتنا العربية وهواتفنا النقّالة برضا منّا وقبول كبير للكلام المعسول الذي يبثّوه إلى مسامعنا، إذ لعب الإعلام دوره الكبير في تقديم هؤلاء العلماء وترغبينا وتشويقنا لسماعهم عبر سنوات طويلة من اتباع سياسة الإعلام في الإقناع وبات التخلّي عن هذه الظاهرة اليوم أمر شبه مستحيل، لاسيّما مع تنافس المحطات الفضائية على استضافة أسماء معيّنة منهم استطاعوا كسب متابعة شريحة كبيرة من الجمهور لهم عن طريق الدعاية والإعلان التي دفعوا عليها مبالغ خيالية ومن ثم قبضوها من جيوب الجمهور أضعاف مضاعفة، ولم تنف سليمان وجود علم الفلك الذي هو علم قائم بحد ذاته إلّا أن ما يحصل على هذه الشاشات الكبيرة والصغيرة هو لغط وتشويه لهذا العلم عبر أسماء محددة سمحنا لهم برضا وقبول وتسليم باقتحام حياتنا وحتى خصوصياتها عند الاتصال بهم وإعطائهم تفاصيل حياتنا والطلب منهم التنبؤ بعلم الغيب لما سيجري لاحقاً، فالإعلام أولاً ومن ثم حب الفضول وكشف غموض المستقبل هي أهم أسباب غزو هذه الشريحة لحياتنا، فبدلاً من أن تتنافس المحطات على اسم برنامج ثقافي علمي، نرى المنافسة بين محطة وأخرى على اسم “عالم فلك؟؟.

علم الكواكب
أما من الناحية العلمية تحدث سمير قيطازو، المُعيد في كلية الجغرافيا، عن ابتعاد علم الجغرافيا والفلك والأجسام السماوية عن حياة ومصير الأشخاص، فالمجموعات النجمية أو الأبراج المزعومة تقع على مسافة تتراوح بين الـ 20 ألف والـ 25 ألف سنة ضوئية، أي أن المسافة بيننا وبين الأبراج لا تستطيع حتى الآلة الحاسبة حسانها، بالتالي فإن تنجيم الفنجان والورق والحجارة وقراءة الكف وترقب حركة الكواكب كلها سلوكيات قديمة تعود لآلاف السنين وتصب في بحر التنجيم والفلك الذي نشأ مع نشأة الحضارة الإنسانية، حيث بدأ الإنسان رصد مواقع النجوم والكواكب وحساب الحركة المنظمة للأجرام المختلفة لاستغلالها في التنبؤ بما قد يحدث له في المستقبل كأسلوب لطمأنة نفسه الخائفة دائما من المستقبل وفي رحلة بحثه عن كيان أكبر يتحكم في أقداره، وكانت تلك الحسابات هي الأشكال الأولى لعلم الفلك، ولم ينكر قيطازو وصولنا اليوم إلى ظاهرة حقيقية أراد القائمون عليها تسميتها علم الفلك والتنبؤ بالمستقبل وللأسف استجابت شرائح كبيرة لهم بحكم النفس البشرية التي ترغب بتناسي هموم الحاضر والتطلع للمستقبل المجهول بكلام معسول، كما يلعب المستوى التعليمي والثقافي للفرد دورا كبيرا فكلما قل المستوى يصبح التأثير عليه سهلا، وما نلحظه اليوم انتشارا مخيفا لهذه الظاهرة التي تجعل الناس يدفعون أموالاً طائلة، ليكونوا بذلك طعماً جاهزا للدجالين ومن يلتفون حول القانون بغرض التكسب المادي بطرق غير مشروعة.