سلاح العقوبات الأمريكي
عناية ناصر
أعلنت الولايات المتحدة في الحادي عشر من كانون الأول عن فرض قيود جديدة على تأشيرات الدخول لنحو 300 من المشرّعين والزعماء الغواتيماليين وعائلاتهم، متهمة إياهم بـ”تقويض الديمقراطية وسيادة القانون” في البلاد. وفي اليوم التالي، أعلنت الولايات المتحدة عن مئات العقوبات الجديدة التي تستهدف كياناتٍ وأفراداً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين وتركيا والإمارات العربية المتحدة، سعياً إلى محاولة زيادة عزلة روسيا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. وفي وقت سابق من الشهر، فرضت واشنطن أيضاً قيوداً على التأشيرة وعقوباتٍ على 37 فرداً في 13 دولة. وفي هذا الإطار يتساءل الكثيرون لماذا تقوم الولايات المتحدة أو أيّ دولة أخرى بمثل هذا الحظر؟ ولماذا اختارت الولايات المتحدة الحظر أو العقوبات كسلاح؟.
وتميل الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على الدول التي تهدّد مصالحها أو ترعى الإرهاب وفق زعمها. على سبيل المثال، في شباط من عام 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عقوبات اقتصادية وتجارية ضد روسيا بسبب “العدوان العسكري الروسي” المزعوم على أوكرانيا. ومرة أخرى، غالباً ما تفرض دولة ما عقوبات على دولة أخرى كردّ انتقامي، كما فعلت روسيا في عام 2014 ضد الاتحاد الأوروبي، والعقوبات الأمريكية. تفرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على الأفراد والكيانات والسلطات القضائية بناءً على أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة. إنها عقوبة تحدّدها حكومة الولايات المتحدة لمحاولة تغيير سلوك دولة أو مجموعة أو فرد يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، بما في ذلك التزامها بدعم حقوق الإنسان ووقف الإرهاب. تشمل بعض الأنواع المختلفة من العقوبات الأمريكية القيود التجارية، وقيود التأشيرات، وحظر الأسلحة، وحظر السفر.
علاوة على ذلك، تتم إدارة هذه الإجراءات وتنفيذها في المقام الأول من مكتب “مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية” من خلال القوانين واللوائح والأوامر التنفيذية والتوجيهات التفسيرية. بالإضافة إلى العقوبات الشاملة، ينفذ مكتب “مراقبة الأصول الأجنبية” عقوباتٍ مستهدفة لأفراد وكيانات محدّدة بموجب برنامج أو أكثر من برامج العقوبات الخاصة به التي تستهدف أنشطة مختلفة، مثل الاتجار بالمخدرات أو الإرهاب أو أنشطة الانتشار التي تنطوي على أسلحة نووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، أو انتهاكات حقوق الإنسان.
منذ التسعينيات، فرضت الولايات المتحدة ثلثي العقوبات على دول في جميع أنحاء العالم، ومنذ عام 1998، فرضت عقوباتٍ على 20 دولة على الأقل. تحتفظ البلاد ببرامج عقوبات شاملة، تسمّى أيضاً عمليات الحظر، التي تحظر عموماً الأنشطة التي تشمل كوبا وإيران وكوريا الديمقراطية وسورية ومنطقة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
لقد كان الحظر المفروض من الولايات المتحدة هو: حظر تصدير الأسلحة، والسيطرة على تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والقيود المفروضة على المساعدات المالية، والقيود المالية. على سبيل المثال، ستعارض الولايات المتحدة القروض من البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية.
لكن هناك انتقادات لمثل هذا الحظر، حيث يقول البعض إن العقوبات أصبحت أداة مهمّة للولايات المتحدة والدول الغربية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأنه عندما تكون الدبلوماسية غير كافية ويكون استخدام القوة مكلفاً للغاية، فإن العقوبات تكون فعّالة.
تفرض الولايات المتحدة بشكل عام عقوباتٍ على الدول التي تنتهك المصالح الأمريكية، إلا أن نطاقها اتسع في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت العقوبات الملاذ الأول لصانعي السياسات الأمريكيين.
ومنذ توليه منصبه، قام بايدن بتعديل العقوبات المفروضة على فنزويلا لإضافة أهداف محدّدة وقابلة للتحقيق. ورفعت إدارته بعض العقوبات النفطية من خلال السماح لشركة “شيفرون” بالقيام بأعمال محدودة في البلاد، بسبب ارتفاع أسعار النفط بعد الحرب الروسية الأوكرانية. ويبدو أن لعبة فرض العقوبات أو رفعها تتغيّر مع كل إدارة.
في الختام، أصبحت قوانين ولوائح العقوبات الأمريكية معقدة بشكل متزايد ويمكن أن تتغيّر دون سابق إنذار استجابة للأحداث العالمية ومصالح الأمن القومي الأمريكي. ونظراً لاستمرار وتيرة التغيير السريعة في مشهد العقوبات الأمريكية، فقد أصبح الأمر الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي حين أن الحروب مكلفة اقتصادياً وسياسياً، إلا أن العقوبات أقل ضرراً بالنسبة للدولة التي تفرضها، بينما بالنسبة للدولة الخاضعة للعقوبات، يمكن أن تكون النتائج هائلة وطويلة الأمد.