في ذكرى رحيله.. ياسر المالح الرجل الموسوعي
دمشق- أمينة عباس
أحيا المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر والإعلامي والموسيقي والمربي ياسر المالح وذلك بالتعاون مع أصدقائه الذين يحرصون بهذه المناسبة وتأكيداً على حضوره المعرفي في مجالات عدة الحديث عنه في المكان الذي ظل يرتاده على مدار 13 عاماً ليستمع إليه جمهور كبير لما كان يختاره من موسيقا من خلال نادي الاستماع الموسيقي الذي أسسه وقدم فيه أكثر من 200 جلسة موسيقية.
وبدا واضحاً من خلال د.أنس تللو والباحث مازن ستوت في مشاركتهما- إدارة مدير المركز أ.عمار بقلة- أن الحديث يكاد لا ينتهي عمن وصِفَ بالرجل الموسوعي الذي أغنى المكتبة العربية بإبداعاته الإذاعية والتلفزيونية والموسيقية والمسرحية.
الأول
ورأى د.أنس تللو أن ياسر المالح كان يتكئ في حياته على أمرين اثنين، أولهما سعة الفكر التي جعلته متنوعاً وغزيراً جداً في مجالات عديدة: أدب، موسيقا، تعليم، شعر.. وثانيهما الطرافة التي كانت سمة كل أعماله والتي استطاع من خلالها أن يأسر النفوس ويجذب القلوبً، مبيناً أن سيرته الذاتية كانت المثال الأعلى للإبداع الملموس في مجالات عدة تصلح لأن تكون بحثاً لأطروحة نيل الدكتوراه في الأدب والفن والإعلام، مشيراً تللو إلى أن المالح وفي عمر الـ 17 عاماً بدأ العملَ الإعلامي في الإذاعة والصحافة، فكتب تمثيليات للإذاعة السورية منذ العام 1956 وفي فترة لاحقة أصبح مؤلفاً لكتب مدرسية وأدبية ومخرجاً مسرحياً ومحاضراً وباحثاً وشاعراً وخطاطاً بارعاً، مؤكداً أن عبقرية المالح تجلّت في التعليم والإعلام والموسيقا، فهو أول من أسس البرامج التعليمية في التلفزيون السوري، وأول من أعدّ برامج تلفزيونية لتعليم اللغة العربية لنشر الثقافة في مجال اللغة العربية مثل “أبجد هوز” وهو عبارة عن مشاهد فكاهية جعلت القواميس والمعاجم أشخاصاً تنطق، كما أنه أول من كتب فيلماً لرسوم الأطفال “أرض وسماء” في حين كان كبير الكتّاب في البرنامج الشهير “افتح يا سمسم” وأول من استخدم الكاميرا السينمائية في حلقة تلفزيونية كانت بعنوان “أنا الكاميرا” عام 1973 وهو أيضاً أول من حوّل كتاب “البخلاء” للجاحظ إلى مسلسل تلفزيوني، وفي الاذاعة التي كتب وقدم فيها برامج كثيرة كان المالح –حسب تللو- أول من كتب برنامجاً إذاعياً لتعليم اللغة العربية والتثقيف الفكري واللغوي في إذاعة دمشق تحت عنوان “حروفنا” ثم تبعه ببرنامج “دنيا الكلام” عام 2008 الذي كان يُذاع يومياً بصوته لمدة خمس دقائق، وليقدم في العام 2009 برنامجاً آخر بعنوان “حديقة الأغاني” وكان يتحدث فيه عن الفن والأغاني، وفي مجال الموسيقا ذكر تللو أن المالح كان أول من ألّف فرقة موسيقيّة جامعيّة من طلبة الجامعة الهواة عام 1953 وكانت تعزف في الحفلات الجامعية في دمشق وحلب والأردن، وتقّدم بعض المسرحيات الفكاهية والوطنيّة، وكان من بين أعضائها الفنان دريد لحام والمايسترو نوري رحيباني ود.صادق فرعون، وفي مرحلة لاحقة عمل في كتابة الأغاني والتلحين، فلحّن لبعض المطربين أمثال مها الجابري وإنعام صالح وكان يمتلك أهم وأغزر مكتبة موسيقية نادرة في بيته، مشيراً تللو كذلك إلى أن المالح كان أول من كتب المقال الدرامي الذي كان يروي حكاية من الواقع بطريقة الجمل المتلاحقة بعيداً عن السرد والإنشاء والحوار، وقد جمع مقالاته في كتاب “الأميرة التي اختفت” بناء على نصيحة الشاعر سليمان العيسى.. وتوقف تللو في حديثه عن مسيرة الراحل ياسر المالح عند محطات عديدة وهي كثيرة ومن الصعب الإلمام بها إلا أنه كان من الضروري أن يشير إلى البرنامج التربوي الأشهر “افتح يا سمسم” الذي كان فيه المالح كبير الكتّاب، فقد كتب أكثر المشاهد والأغاني لـ 390 حلقة.
أحد عمالقة الزمن الجميل
ووصف الباحث مازن ستوت ياسر المالح بأنه أحد عمالقة الزمن الجميل وقد ترك إرثاً يضمّ كل الأجناس الفنية والأدبية، حيث لم يترك باباً من أبواب الإعلام والأدب والفن والموسيقا إلا وطرقه، مبيناً أنه ابن دمشق، وتعلّم في مدارسها، وتخرّج من جامعتها في كلية الآداب قسم اللغة العربية، ودبلوم في التربية وعلم النفس عام 1958 ومارس التدريس في بداية حياته وأُسنِدَت إليه إدارة البرامج التعليمية في وزارة التربية، ودخل إلى الإذاعة في العام 1950 وهو في الصف العاشر، فعمل معدّاً لبرنامج “صوت الطلبة” ومن خلال عمله فيها دخل عالم التلفزيون معدّاً ومؤلفاً ومقدّماً، فقدّم العديد من البرامج والتمثيليات المتنوعة، وفي العام 1977 وبعد ترشيحه لاتّباع دورة تدريبيّة في نيويورك لإنتاج مسلسل “افتح يا سمسم” من خلال إشرافه على كتابة النسخة العربية دخل بيت المواطن العربي وكان كبير كتّاب البرنامج، وقد علّم الأطفال العرب من خلاله كيف يحبّون لغتهم فاشتهر في العالم العربي ودخل عالم الصغار، ثمّ عمل على تأليف الأغاني للأطفال، وله ما يفوق عن مئة أغنية، منوهاً ستوت إلى أن المالح توّج حبه للموسيقا بنادي الاستماع الموسيقي الذي حمل عنوان “انصت تدخل عالم الحقيقة” الذي أسسه عام 2001 بمبادرة شخصية وكان يشرح ويحلل الأغنية السورية والعربية والأجنبية، ويستضيف متخصصين في هذا المجال.
نظم الشعر ورفض نشره
وبيّن أ.ستوت أن المالح كشاعر له “عودة إلى الحب” و”عرس الكلمات” وعلى الرغم من ذلك لم يتخذ الشعر مهنة له وإنما كان هوايته يعبّر من خلاله عن مشاعره وعواطفه، لذلك كان يرفض نشره، كما لم يعتبر نفسه شاعراً محترفاً، وكان يسعى إلى إيصال فكرته بلغة سلسة ومكثفة، معتمداً على شعر التفعيلة، مبيناً أن المالح كان قد أصدر عدة كتب، منها “سهرة في بيتنا” و”أمسيات دمشقية” تحدث فيها عن الشخصية الشعبية في الحارات والأسواق الشعبية الدمشقية، وكتاب ألّفه عن حياة الموسيقي الراحل سهيل عرفة بعنوان “النغم والكلمة” وكتاب “شارع الفن في حياتي” وهو سيرة ذاتية وكتاب “السينما وأثرها في التربية الحديثة” وكتاب “أثر وسائل الإعلام في الطفل العربي وسبل تطورها” متوقفاً ستوت في نهاية مشاركته عند بعض أقوال المالح مثل: “أنا رجل نصفه قلم ونصفه نغم، والنغم عندي هو الذي يضبط القلم ويزيّنه” “اكتشاف لغة الأطفال يُعادل اكتشاف القمر” “أُتقِن الفن الواحد وأمارسه ثم أتحوّل إلى غيره” “أي فنان لا يبدع إلا إذا نهل من ألوان الطبيعة وأعاد تشكيلها وفق مخيلته” “أهم ما شغلني هو إيصال الثقافة الفنية والأدبية إلى الجمهور بأسلوبٍ مبسط”.
يُذكر أن ياسر المالح كان محاضراً في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واتحاد إذاعات الدول العربية والمركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني وخبير إعلامي لدى منظمة اليونيسيف واتّحاد إذاعات الدول العربيّة وفي بعض التلفزيونات العربيّة، تقلّدَ مناصب عديدة من أهمها منصب عضو مجلس الأمناء في المجلس العربي للطفولة والتنمية في مصر عام 1987 وعضو في الجمعية العربية في المجلس عام 1990.