هل سيقضي نتنياهو على رئاسة جو بايدن؟
عناية ناصر
تعتبر حرب “إسرائيل” في غزة واحدة من أكبر السلبيات السياسية لرئاسة جو بايدن. وكان جزء من هذه التداعيات السياسية أمراً لا مفر منه بمجرد أن شنت المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول. وكان من الممكن أن يُنظر إلى العملية، مثلها مثل أغلب الأحداث غير المرغوب فيها بشكل واضح في العالم، باعتبارها علامة سوداء على من يشغل البيت الأبيض في ذلك الوقت، بغض النظر عما إذا كان بمقدور رئيس الولايات المتحدة أن يفعل أي شيء لمنع هذا الحدث. علاوة على ذلك، أزعج الهجوم استراتيجية السياسة الخارجية لإدارة بايدن، التي افترضت أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيبقى هامشياً بما فيه الكفاية، مما يسمح للإدارة بتركيز المزيد من الاهتمام على أجزاء أخرى من العالم.
لكن الكثير من التداعيات هي من صنع بايدن بسبب احتضانه الفوري وغير المشروط لحكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، وهو احتضان واجه بايدن صعوبة في التراجع عنه منذ أن بدأت تلك الحكومة نفسها في إلحاق موت ودمار ومعاناة أخرى لا توصف بسكان قطاع غزة. والآن، يشارك بايدن في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية التي من صنع الإنسان في نصف القرن الماضي. لقد باءت إستراتيجية “عناق الدب” التي اتبعها في محاولة كبح جماح حكومة نتنياهو من خلال البقاء على مقربة منه بالفشل إلى حد كبير. لقد فقد تأييده لدى قسم كبير من قاعدته داخل الحزب الديمقراطي، الذي سيحتاج إلى دعمه النشط للفوز بإعادة انتخابه.
إن أهم عواقب هذه الأحداث تنطوي على توجيه ضربة لمصالح الولايات المتحدة، والتي كانت واضحة بشكل مؤلم مع تصاعد الغضب والاستياء ضد الولايات المتحدة، حيث أصبحت واشنطن معزولة بشكل متزايد في الدبلوماسية الدولية، مع فقدان الدعم بين الدول الأخرى لأهداف الولايات المتحدة . ولكن هناك أوجه تشابه مع كيفية عمل السياسة الداخلية ضد بايدن، وإن دوافع الرجل الذي احتضنه بايدن لها علاقة كبيرة بهذا الأمر.
يواجه بنيامين نتنياهو نفسه الكثير من المشاكل السياسية الداخلية، حيث أدى هجوم المقاومة الفلسطينية إلى تحطيم صورة رئيس الوزراء التي رُسمت منذ فترة طويلة باعتباره “سيد أمن ” إسرائيل. وقد انعكس هذا التحطيم في استطلاعات الرأي التي أعقبت الهجوم مباشرة، والتي أظهرت انخفاضاً في الدعم بين الإسرائيليين لنتنياهو وحزبه الليكود.
ولعكس هذا الوضع وإنقاذ موقفه السياسي، كان لنتنياهو حافز قوي لمواصلة الهجوم “الإسرائيلي” المدمر على غزة وتجاهل المناشدات فيما يتعلق إما بضبط النفس في العمليات العسكرية أو الحاجة إلى حل سياسي ينص على حق الفلسطينيين في تقرير المصير. وعلى المدى القريب، فإن الهجوم يلبي التعطش “الإسرائيلي” الذي لا يزال غير مشبع للانتقام من الفلسطينيين. وحتى لو لم يتمكن نتنياهو أبداً من استعادة لقبه السابق “سيد أمن إسرائيل” ، فإنه يستطيع الآن أن يتظاهر بأنه زعيم يعارض بثبات، من خلال قوة السلاح فضلاً عن الدبلوماسية العنيدة، أي إنشاء لدولة فلسطينية.
إن الاحتكاك الناتج مع إدارة بايدن ليس سلبياً بالنسبة لنتنياهو، بل هو إيجابي، حيث يظهر الاحتكاك للناخبين الإسرائيليين تصميم رئيس الوزراء على الوقوف في وجه أي ضغوط أمريكية للسماح بإقامة دولة فلسطينية. علاوة على ذلك، فإن تيار النفوذ في العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية لا يزال يسير في الاتجاه الذي يسير فيه عادة. ولا تزال المساعدات العسكرية الأمريكية قادمة، ولا تزال الديناميكيات داخل السياسة الأمريكية التي حافظت دائماً على تدفق المساعدة، تمنع بايدن من ربط شروط ذات معنى بالدعم.
ثم هناك اتهامات الفساد الموجهة ضد نتنياهو، والتي استؤنفت محاكمتها مؤخراً بعد توقف دام عدة أسابيع بسبب هجوم المقاومة الفلسطينية والحرب. وتوفر هذه المشكلة القانونية الشخصية دافعاً إضافياً لنتنياهو لمواصلة السياسات المتشددة التي تنطوي على حرب تصرف الانتباه عن كل شيء آخر. وتساعد هذه السياسات أيضاً في إرضاء العناصر الأكثر تطرفاً في ائتلافه اليميني، وبالتالي الحفاظ على تماسك هذا الائتلاف وتأخير اليوم الذي قد يضطر فيه إلى مواجهة العواقب القانونية الكاملة لسلوكه.
أما بالنسبة لتأثيرات تلك السياسات على السياسة الداخلية الأمريكية وكيف تضعف موقف بايدن السياسي، فهذه مكافأة لنتنياهو. من المؤكد أن نتنياهو سيكون سعيداً برؤية دونالد ترامب يهزم بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي قدمه بايدن لـ “إسرائيل”، إلا أن هذا الدعم لا يتطابق مع تدفق الهدايا التي حصلت عليها” إسرائيل” من ترامب، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المتنازع عليها، وتقديم “خطة سلام” من شأنها أن تضع الفلسطينيين في وضع التبعية الدائمة بدلاً من أن يكون لهم دولة خاصة بهم على الإطلاق. كان التحالف السياسي السابق بين ترامب ونتنياهو واسع النطاق، إلى درجة ظهور بعضهما البعض في إعلانات الحملة الانتخابية لكل منهما.
وتعكس هذه الشراكة جزءاً من اتجاه طويل الأمد، كما وثقته استطلاعات الرأي، في المواقف الأمريكية تجاه “إسرائيل” التي تتفكك على نحو متزايد على طول الخطوط الحزبية. على الرغم من أن الديمقراطي جو بايدن يجسد كيفية استمرار الدعم القديم بين الحزبين لـ “إسرائيل”، فإن الحزب الجمهوري هو الذي أصبح ما أطلق عليه مفاوض السلام الأمريكي السابق آرون ديفيد ميلر على نحو مناسب حزب “إسرائيل”. والتحالف الأكبر ليس بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” بقدر ما هو بين الحزب الجمهوري واليمين الإسرائيلي، الذي يضم الحكومة الإسرائيلية. وفي ظل هذه الظروف، يبدو جو بايدن شرهاً للعقاب السياسي، خاصةً أن لنتنياهو سجلا طويلا من إحراج وتقويض بايدن. وبعد ساعات فقط من زيارة بايدن، بصفته نائب الرئيس، لـ “إسرائيل” في عام 2010 وإعلان الدعم الأمريكي غير المشروط لـ “الأمن الإسرائيلي”، أعلنت حكومة سابقة بقيادة نتنياهو عن المزيد من بناء المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية. وبعد أن أصبح بايدن رئيساً في عام 2021، زعم نتنياهو، استناداً إلى مقطع فيديو تم اقتصاصه بشكل مضلل، أن بايدن قد نام أثناء اجتماعه مع نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت.
في نواحٍ عديدة، يمثل جو بايدن نموذجاً للسياسي الأمريكي القديم. وفي هذا الصدد، كان من الغريزي بالنسبة له أن يلجأ إلى الموقف الافتراضي التقليدي للسياسيين الأمريكيين المتمثل في البقاء بعيداً عن المشاكل، وهو التعبير على الأقل عن نفس القدر من الحب لـ “إسرائيل”. وعلى خلفية الفظائع في غزة، فإن هذا الوضع الافتراضي لا يجدي نفعاً الآن بالنسبة لبايدن. وإذا خسر انتخابات العام المقبل، فستكون هناك أسباب عديدة، لكن أحدها سيكون احتضانه لسياسي لا يحب المصالح الأمريكية أو آفاق بايدن السياسية.