رهانات ترامب لإسقاط بايدن
ريا خوري
ما زالت جولات السباق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ مساراتٍ متعدّدة ومتناقضة في الآن ذاته. ومن ضمن تلك المسارات ذلك التنافس الذي أدى إلى صراعات داخلية ما لبثت أن طفت على السطح، فقد قامت القاضية الفدرالية تانيا تشاتكن بتحدّيد موعد لمحاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتهمة محاولة تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020. هذا الموعد يأتي عشية ما يعرف بـ(الثلاثاء الكبير) .وهو اليوم الذي يدلي فيه الناخبون الجمهوريون بأغلبيتهم بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية لحزبهم. بعد أن وجهت المحكمة الجنائية الأمريكية له العديد من التهم في أربع قضايا هذا العام، اثنتان منها في العاصمة واشنطن والثالثة في نيويورك والرابعة في ولاية جورجيا، وكان ترامب قد سعى جاهداً لتحقيق برائته من التهم المنسوبة إليه دون أن يتمكن من تحقيق أي نجاح، وستجري بذلك واحدة من أكبر المحاكمات الجنائية في التاريخ الأمريكي في ذروة الموسم الانتخابي الرئاسي. وكان جاك سميث المدّعي الخاص الأمريكي قد سعى لمنَع الملياردير الجمهوري من الإدلاء بأي تصريحات مهينة بحق أي شخص مهما كانت صفته أو مهنته ذُكر اسمه في القضية أو قد يُذكر مستقبلاً أو بشأن الشهود المستقبليين في القضية ذاتها، ومحاكمته في قضيتي (ستورمي دانيالز) و(جين كارول)، كما كشفت وكالة أمريكية عن عدد سنوات دونالد ترامب التي يمكن أن يقضيها في السجن حال إدانته بتهمة التجسس في قضية الوثائق السرية. لكن وكلاء الدفاع عن ترامب طلبوا بدء المحاكمة في شهر نيسان عام 2026، أي بعد حوالي عام ونصف العام من الانتخابات.
وشدّدت القاضية تانيا تشاتكن على أن موعد المحاكمة لا يُحدّد وفق الالتزامات المهنية للمدعى عليه “ترامب”، مردفةً: (للجمهور الأمريكي كامل الحق في التوصل إلى حل سريع وعملي لهذه القضية).
وعلى الرغم من أن القاضية قد حدّدت يوم بدء المحاكمة، وهو اليوم الذي سيحدد خلاله اسم مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، ما يعني أن موعد المحاكمة سيؤثر بقوة في اختيارات الناخبين الجمهوريين، إلا أنّ ترامب الذي قاطع متعمداً كل جولات المناظرات الانتخابية التي أُجريت بين المرشحين الجمهوريين لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة لاعتقاده أنه ليس مضطراً للدخول في منافسة مع كل هؤلاء المرشحين الذين يعتقد أنهم (ليسوا في مستواه من منظور القدرة والمكانة)، مكتفياً بتركيز حملته الانتخابية على منافسة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، لذلك يعطي ترامب كل الأولوية لبرنامجه الانتخابي الجديد، الذي يحمل اسم (الأجندة 47)، وهي وعود ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، من السيارات الطائرة إلى إعدام تجار المخدرات وقطع دابر التهريب من المكسيك، وصولاً إلى احتفالات على مدى عام كامل في ذكرى الاستقلال. وهي خطوات يزعم ترامب أنه سيتبعها لجعل (أميركا عظيمة مجدداً) حسب تعبيره، بما في ذلك من تغيير السياسة الخارجية الأمريكية عبر إعطاء كل الأولوية لما جرى تخريبه طوال الأعوام الأربع من حكم بايدن، ابتداءً من التوقف عن دعم فكرة (التجارة الحرة) ومن ثم التراجع عن الانخراط الكبير في موجة العولمة العارمة التي يرى ترامب أنها أضرّت كثيراً بالمصالح الأمريكية في العالم، وامتداداً لمراجعة العلاقة الأمريكية مع (الناتو)، ما يجعل الحلف مستقبلياً مجرّد اتحاد عسكري لعموم القارة الأوروبية، مروراً بالعلاقة مع روسيا والصين والشرق الأوسط. ويركز ترامب أيضاً على مهاجمة هجرة الأجانب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً أنها خطر يتهدد الولايات المتحدة،
كما دعت حملة ترامب اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إلى إلغاء جميع النقاشات والحوارات والمناظرات الرئاسية على الرغم من النجاحات التي يحققها بعضهم بسبب “عدم وجود منافس حقيقي وقوي لترامب” من منظور الحملة.
وعلى المقلب الآخر فقد حملت تلك البرامج “الترامبية” رفضاً شديداً من قبل الديمقراطيين وعلى رأسهم بايدن، معتبرين أن ترامب يحاول (تقليد) الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، كما اعتبرته (ديكتاتوراً) وأنّ ما يقوله يمثل (تهديداً للديمقراطية) ، كما اهتمت هذه الحملة بما تتضمنه بنود (الأجندة 47) وقالت: إنه (يراهن على قدرته وكفائته في الفوز في الانتخابات عن طريق تخويف البلاد وتقسيمها وإحداث الخلل فيها).
إن هذا التفنيد لحملة ترامب وأجندته دفعته إلى شنّ هجوم مباشر على كل من وصفهم بأنهم (بلطجية متطرّفون يعيشون كالحشرات) ويعتبرهم (أعداء)، مدعياً أنه الرئيس الوحيد الذي سيتمكن من “منع اندلاع حرب عالمية ثالثة”.
كل ما سبق يؤكد أن المواجهة بين ترامب وبايدن ستكون ساخنة، إذا ما صحت رهانات وتوقعات ترامب بأنه سيكون “المرشح الجمهوري الأقوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة”. غير متناسين ما يواجهه بايدن من ادعاءات تطالب بتنحيته عن الرئاسة بسبب فضائح مالية وتجارية، ودعمه لابنه هانتر عندما كان نائباً للرئيس.