مؤشرات في عام مضى..!
علي عبود
قد لا يعاني ملايين السوريين من أوضاع معيشية قاسية في عام 2024، مثل التي مرّت عليهم في عام 2023، فبعد عدة أشهر سيكونون على موعد مع حكومة جديدة إثر انتخابات ممثلي الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب، في تموز القادم. ونأمل أن يكون مجلس الشعب الجديد على مستوى مساءلة الحكومات القادمة، يراقبها ويحاسبها على القرارات غير الصائبة والمضرّة بالاقتصاد والعباد، كما نأمل أن تعمل الحكومة القادمة على وضع خطة خمسية أو عشرية محورها الاعتماد على الذات، بدلاً من العمل يوماً بيوم، أو وفق ردّات الفعل الانفعالية التي ألحقت الضرر بالاقتصاد، وبمعيشة ملايين السوريين منذ عام 2021.
والسؤال: لماذا كان عام 2023 الأسوأ بالنسبة لملايين العاملين بأجر، وللصناعيين الذين عانوا من عدم تجاوب الحكومة مع مطالبهم الكفيلة بزيادة الإنتاج والتصدير؟
يمكن الإشارة إلى العديد من المؤشرات السلبية التي جعلت 2023 العام الأسوأ في حياة السوريين ومختلف شرائح المجتمع، والذي أسهبت بتفاصيلها وآثارها السلبية عدة تقارير للتنظيمين العمالي والفلاحي.
لقد كان لافتاً وغريباً جداً أن “تعايد” الحكومة ملايين السوريين بتخفيض أجورهم بدلاً من زيادتها، فقامت في اليوم التالي للاحتفال بوداع سنة 2022 بتخفيض سعر صرف الليرة أمام الدولار من 3015 ليرة إلى 4522 ليرة، أيّ خفضت الرواتب والأجور مع بداية العام 2023 بنسبة 50% تقريباً!
لقد قامت الحكومة، خلال العام 2023، بتخفيض سعر الصرف خمس مرات، وهو أمر غير مسبوق مقارنة بالأعوام الماضية. وكان آخر تخفيض بتاريخ 3/ 12/ 2023 لينخفض سعر صرف الليرة، أيّ قوتها الشرائية، خلال عام واحد من 3015 ليرة إلى 12625 ليرة، وكان ذلك أخطر المؤشرات السلبية على البلاد والعباد لأنه انعكاس للتضخم بنسب كبيرة جداً!
نعم، هو مؤشر خطير أن تنخفض القوة الشرائية لملايين العاملين بأجر من 50 دولاراً إلى ما دون الـ 20 دولاراً على الرغم من الزيادة الاسمية على الرواتب بنسبة 100%، وكان لافتاً إعلان رئيس الحكومة أمام التنظيم العمالي في مؤتمره الأخير أنه يعرف أن الراتب لا يكفي، لكن اللافت أكثر أنه تساءل عن الطريق لتحسينه، أيّ لا توجد طريقة لدى الحكومة منذ عام 2021 سوى تخفيض الرواتب لا زيادتها، لذا قلنا إنه مؤشر خطير يطال العمال وأصحاب الودائع المصرفية فقط!
ومن المؤشرات السلبية بالنسبة للصناعيين السوريين عدم رضاهم عن أداء الحكومة، فقد أكدوا أن مطالبهم تتكرّر من عام إلى آخر دون أيّ استجابة، في حين أن الردّ الدائم للحكومة كان “نعمل وفق واقع وإمكانات محدودة”، فهل هذا صحيح؟ أم هو مؤشر سلبي على عدم استثمار الإمكانات الكبيرة جداً للدولة من جهة، وعدم تحويل التحديات المتمثلة بالحصار والعقوبات إلى فرصة للاعتماد على الذات من جهة أخرى؟
ومن أبرز المؤشرات السلبية التي لم نجد أيّ تفسير لها هو إقدام الحكومة على رفع مستلزمات الإنتاج في القطاعين الزراعي والصناعي عدة مرات بذريعة تغيّر سعر الصرف!!
نعم، هو مؤشر سلبي، لأن من يكرّر القول إن شغله الشاغل زيادة الإنتاج ودعم المنتجين لا يرفع مستلزمات المحاصيل الزراعية، بل يدعمها بأشكال مختلفة، ويؤمّن ما تحتاجه من محروقات وأسمدة وأدوية ومياه بالكميات الكافية والأوقات المناسبة كي نتمكن من إنتاج ما يكفي سورية بالاعتماد على سواعد المنتجين لا على سواعد المستوردين!
ولو فعلتها الحكومة في عام 2023 لأمكنها مخاطبة قطاع الأعمال استناداً إلى المؤشرات الإيجابية لا السلبية: حرّروا أموالكم لمصلحة الاقتصاد واستثمروها في الزراعة.
ونشير أيضاً إلى مؤشر سلبي حال دون زيادة واردات سورية من القطع الأجنبي، بفعل ارتفاع المنتج السوري في الأسواق الخارجية، فالحمضيات اللبنانية والإيرانية مثلاً أرخص من مثيلتها السورية في الأسواق القريبة كالعراق. وكشف عدد من الصناعيين عن مؤشر سلبي جداً: للمرة الأولى بالتاريخ تنافسنا الأردن ولبنان بالصناعات التحويلية في الخارج.
الخلاصة: كان عام 2023 الأسوأ بالنسبة للمنتجين في القطاعين الصناعي والزراعي، ومن أبرز مؤشراته السلبية تراجع الإنتاج والاستهلاك والتضخم بنسب غير مسبوقة إلى حدّ لم يعد راتب العامل بأجر لمدة عام كامل يكفي لشراء بيدون زيت زيتون أو سندويشتي فلافل يومياً!!