المؤسسات الشبابية “غير موجودة”…؟!
بشير فرزان
لا ينفصل، أو لا يختلف، الواقع الشبابي من حيث الأداء والتحديات والآمال عما يجري داخل قطاعات الحياة العامة، فلم تقتصر تداعيات الأزمة وآثارها السلبية على الأداء الاقتصادي الذي تعرّض لخسائر مادية كبيرة فقط، بل تعدّتها إلى تداعيات اجتماعية شبابية ثقافية خطيرة ومديدة لم يشهدها الاقتصاد ولم يعشها المجتمع السوري من قبل، ولن يكون من السهل على الأجيال الحالية والقادمة تجاوزها إلا بمعاناة قاسية.
وقبل الدخول إلى حياة الشباب، لا بدّ من التأكيد على أن ما تشهده الساحة الثقافية، اليوم، من تراجع يؤكد أن ثقافتنا وهويتنا الاجتماعية تلفظ أنفاسها الأخيرة في ظلّ مجتمع تتقاذفه اليوم أمواج المتغيّرات والتطورات المختلفة في زحمة ما هو قادم وآتٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي استحوذت، أو سيطرت، بشكل كامل، على كلّ المفاصل الحياتية والرسمية، وباتت البوابات الحصرية المباشرة التي اقتحمت ودخلت البيوت عبر سلسلة لا متناهية من الأخبار والتقارير وحتى البرامج، وخاصة الدينية منها، الممنهجة وفق سيناريو غربي غريب عن واقعنا، حيث يتمّ إدخال الكثير من اللمسات السامة المكتنزة بالأمراض والأكاذيب لتضليل الشباب، وخلق شرخ وصدع كبير في الأوساط الشبابية من نواحي مختلفة، منها ما يصبّ في خانة التهميش الفكري ووضع الاهتمامات والطاقات في مسار اليأس والإحباط والتخلي عن القيم والمبادئ لصالح المجهول.
ولو أردنا الحديث بشفافية ووضوح لقلنا إن مخاوفنا تزداد يوماً بعد يوم على شبابنا، وخاصة في هذا الوقت العصيب، بكلّ ما فيه من مخاطر اجتماعية تهدّد المستقبل، حيث تزداد حالات التعاطي بالمخدرات وتحديداً بين الفئة العمرية الصغيرة، وذلك عبر التواصل عن طريق الشبكة التي سهلت هذا الانتشار، ولا شكّ أن ما نسمعه من قضايا جرمية في هذا المجال يثبت كثرة المنزلقات الفكرية العاصفة بحياة الشباب التي تقف على مفترق الطرق، وخاصة مع ضبابية المستقبل وتنامي الانحلال الأخلاقي والحالات الجرمية أمام ضربات الواقع المأساوي الذي يعيشونه لحظة بلحظة، والغريب أن الفيسبوك بات من البوابات الجرمية التي تتعدّد مهامها وغاياتها في الترويج الموجّه لكل أشكال الجريمة وبشكل خفيّ أو ظاهر، والغريب أيضاً أنه رغم كلّ هذه الدلائل والبراهين نجد أن المؤسّسات الشبابية لا زالت عالقة في فخ تقييم نفسها وأدائها الغائب تماماً عن الحياة الشبابية!!
ولا شكّ أن استمرار لعبة المراهنة على المؤسّسات الشبابية، دون أي دور أو حضور لها في الواقع، يتطلّب تحركاً سريعاً لاستنهاض الطاقات الشبابية واستثمارها ووضعها في مسارات العمل، إلى جانب التركيز والاهتمام بتحقيق النهضة الفكرية المتمثلة بتحقيق حراك ثقافي متكامل والتشجيع على القراءة وتوعية الشباب وكشف كلّ المتلاعبين بالمستقبل الشبابي.. فهل تخرج الجهات الشبابية والفكرية والثقافية والإعلامية من شرانق التقليد السلبي ومسلسل الندوات، أم تستمر في تخبّطها والتكرار المملّ لحلقات التقييم، وعدم اتخاذ خطوة تنفيذية حقيقية ترسم للبوصلة الشبابية سمتها الإبداعي والأخلاقي والاجتماعي.