الاغتيالات دليل عجز وهزيمة
طلال ياسر الزعبي
ليس غريباً أن يلجأ الكيان الصهيوني العاجز إلى عمليات الاغتيال الجبانة للانتقام من المقاومة في المنطقة على اختلاف انتماءاتها وتوجّهاتها، فهذا الأمر اعتيادي بالنسبة لعدو قام بعشرات العمليات الإرهابية منذ زرعه غدةَ سرطانية في أرض فلسطين التاريخية، وتجميع شتاته من شتى بقاع الأرض ليكون قاعدة للصهيونية في العالم.
ولكن الغريب، بالفعل، هو محاولاته الحثيثة الهروب إلى الأمام من المصير الذي بات ماثلاً أمامه بعد عجزه في الميدان عن تحقيق أيّ من الأهداف التي أعلن عنها في بداية عدوانه الإجرامي على قطاع غزة المحاصر منذ نحو تسعين يوماً، فمقياس النصر في أيّ حرب معلنة هو تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، حيث لا يزال عاجزاً حتى الآن عن تسجيل أيّ نصر، ولو كان صورياً، يمكن أن يقدّمه لقطعان المستوطنين الذين يعمل على إرضائهم خدمة لأجندات سياسية انتخابية لأركان الحكومة الصهيونية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو الذي أدرك حقيقة أن الحرب إذا انتهت فإنها ستعلن نهاية حياته السياسية، إذا لم تكن بداية حقيقية لزوال الكيان برمّته، وذلك أن مجموع المؤشّرات يؤكّد ذلك على الأرض، ومنها أنه لا يزال يخفي العدد الهائل من قتلاه في الجبهة خوفاً من تدحرج الأمر إلى انهيار كامل، وهذا خيارٌ أمريكي قبل أن يكون خياراً إسرائيلياً.
الكيان الصهيوني الذي مارس سياسة الاغتيالات منذ نشأته في جميع دول الطوق، وخاصة لبنان، وحتى في أوروبا وسائر دول العالم، ظنّ أن باستطاعته أن يخرج من عنق الزجاجة الذي وصل إليه في ميدان غزة عبر توسيع رقعة المعركة مباشرة إلى الأراضي اللبنانية، حيث كانت عملية اغتيال نائب المسؤول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في الضاحية الجنوبية التي تمثل المعقل الرئيس للمقاومة اللبنانية، محاولة بائسة لنقل المعركة إلى داخل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى إجبار دول محور المقاومة على فرض الاستسلام على المقاومين في غزة أو التفاوض معه لحفظ ما تبقّى من ماء وجه حكومته المُراق في غزة.
وبالقياس إلى انسداد الأفق الذي بات يعانيه الكيان والدول الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بعد ظهور عجز واضح عن إجبار المقاومة اليمنية على فتح باب المندب أمام السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئ الأراضي المحتلة، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر إغلاق أهم مضيق في العالم في وجه الملاحة البحرية إذا تدخّلت الدول الغربية عسكرياً هناك، يبدو واضحاً المأزق الذي وقع فيه الحلف الغربي مجتمعاً، وخاصة أن الأمر يتعلّق مباشرة بانسياب السلع والبضائع والطاقة المتجهة إلى الدول الغربية، وبفائدة غير مسبوقة يمكن أن تجنيها كل من الصين وروسيا وإيران من تحويل خطوط الملاحة قسراً إلى ممر المتجمّد الشمالي في ظل وجود كاسحات جليدية روسية عاملة على الطاقة النووية وقادرة على تأمين حركة سلسة للبضائع من هناك، وبالتالي إلزام العالم الغربي بتمرير طريق الحرير من روسيا وإيران باتجاه أوروبا.
والحال أن جميع العمليات الإرهابية الصهيونية الأخيرة، في كل من سورية ولبنان وإيران والعراق، الغاية الأساسية منها، هي الهروب إلى الأمام للخروج من المأزق عبر تغيير قواعد الاشتباك مع دول محور المقاومة التي ترفض حتى الآن منح الكيان الصهيوني أيّ ضوء يوصله إلى حل يمكن أن يتخذه نصراً أمام العالم الذي يشاهد عجز الآلة الصهيونية عن التثبيت في أيّ موقع في غزة، أو محاولة بائسة لجرّ الحلف الأطلسي إلى مواجهة مباشرة مع دول المحور، يبدو بشكل واضح أن الحلف يتحاشاها إلى الآن من خلال إصراره كما فعل في أوكرانيا على القتال عن بُعد حتى آخر جندي أوكراني.