قرارات برسم الدراسات العاجلة..!
قسيم دحدل
عندما تكون الحصة الكبرى لصادراتنا من نصيب منتجاتنا الزراعية (أكثر من 80%)، فلا بدّ من الخوض في تفاصيل ميزان توفير تلك المنتجات على الصعيد المحلي، لناحية ضرورة وأهمية وجودها بالحدّ المقبول في أسواقنا وإتاحتها بأسعار معقولة للمستهلكين، وبما يتناسب مع المستوى العام للرواتب والأجور للشريحة الأكبر من الشعب السوري.
ومع أن معادلة العرض والطلب في تلك المنتجات، أصابها الكثير من الخلل على الصعيد المحلي، لعدة أسباب، ومنها قرارات التصدير غير المدروسة وغير المستندة إلى بيانات حقيقية وصحيحة لمدى الاحتياجات الوطنية منها، إلاَّ أن فريقنا الاقتصادي لا يزال يعدّ تلك المنتجات من أهم المصادر التي تؤمّن القطع الأجنبي، والذي تحاول الحكومة من خلاله تحسين مكانة وقوة ليرتنا في المشهد النقدي والمالي!
والأنكى من هذا أن وقائع التسوق والسوق تؤكد أن “الوفرة” المزعومة، التي على أساسها يتمّ اتخاذ قرارات التصدير، ناتجة عن تراجع شديد في القدرة الشرائية لليرة، مقابل ارتفاع كبير في الأسعار، وضعف دخل المواطن السوري، وبالتالي تقليص سلّته الغذائية إلى الحدود الخطرة.
هذه الجزئية “المحلية”، ورغم حساسيتها وأهميتها، كونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الغذائي للعائلة السورية، إلاَّ أنها على ما يبدو خارج حسابات فريقنا الاقتصادي، الذي يرى بالتصدير حالة تحفيز لزيادة الإنتاج، وأنه يحافظ على قنوات القطع.
مما سبق، وفي ضوء ما تؤكده الدراسات الدولية، ومنها دراسة للبنك الدولي يبيّن فيها التدخلات السياسية للدول، لتخفيف تأثير ارتفاع أسعار الغذاء، وكيف أنه خلال الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، في الفترة 2007 – 2008، اتخذ نحو ثلاثة أرباع اقتصاديات الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية، إجراءات سياسية لتخفيف أثر ذلك عن طريق خفض الحماية التجارية “التعريفات الجمركية عادة” على المواد الغذائية، في حين فرضت الدول المصدّرة للأغذية قيوداً أو حظراً على الصادرات.
هذه السياسات التي يتمّ تطبيقها خلال ارتفاع الأسعار، وعلى الرغم من أنها تشجّع الاستهلاك وتثبط الحوافز لزيادة الإنتاج، والذي يؤدي هذا بدوره إلى انخفاض المعروض من الصادرات، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار العالمية، لكن الدول التي تعزل نفسها بدرجة أعلى من المتوسط – بحسب البنك الدولي – هي وحدها القادرة على الحدّ من تقلبات الأسعار في أسواقها المحلية.
ولأن كلّ الدراسات والتقارير الدولية تؤشر لتراجع الإنتاج الزراعي في المحاصيل الرئيسية ولارتفاع عالمي في أسعار الغذاء، لأسباب عدة، ومنها التغيّرات المناخية وتداعياتها، والوقود الحيوي، وجب علينا التنبّه والإعداد المدروس العاجل لكل السيناريوهات المحتملة وكيفية مواجهتها حتى نأمن تبعاتها باتخاذ قرارات تكون فيها الاحتياجات الغذائية لمواطننا أولاً.
ولعلّ ما صرح به رئيس الجمعية الفلكية السورية حول “أن فصل الشتاء في سورية حالياً قد طمست معالمه بشكل جزئي، إذ أصبح النهار حاراً والليل بارداً، وحتى الآن كمية الأمطار متواضعة نسبياً مقارنة بالأعوام الطبيعية، وإذا كان هناك شتاء قارس فسيكون لبضعة أيام تكون ذروتها الباردة مجمعة في الفترة الممتدة بين النصف الثاني من الشهر الحالي حتى بدايات شهر شباط المقبل، كذلك الأمطار يتوقع أن تمتد لعدة أيام ثم تعود الأجواء لما كانت عليه، بالمقابل سيكون شهرا آذار وأيار معتدلي الحرارة”، ما صرّح به لعله يكون مؤشراً يؤخذ بالحسبان حين يتدارس فريقنا الاقتصاد أي قرار قد يكلفنا الكثير.. في الوقت الذي نتوقع منه “الكثير”!
Qassim1965@gmail.com