مشاريع الزواج.. تأجيل تحت ضغط التكاليف وتراجع في حجوزات الصالات بعد ارتفاع أجورها
دمشق – البعث
بعيداً عن حياة الأثرياء الذين ينفقون دون حساب من خلال شيكات وأرصدة بنكية متخمة بالمال على حفلاتهم وأعراسهم، هناك من يبحث ليل نهار عن لقمة عيشه وعن فرصة لتحقيق حلم تكوين الأسرة ولكن بلا جدوى، فقد فرضت الظروف الاقتصادية الصعبة والواقع المعيشي المأساوي على الشباب إعادة ترتيب أولوياتهم وتأجيل الكثير من المشاريع الاجتماعية، وفي مقدمتها الزواج الذي باتت تكاليفه عالية جداً من كافة النواحي، سواء في المهر أو لناحية تأمين السكن، كما أن تكاليف حفلة العرس أصبحت مرتفعة جداً، فالأماكن المخصّصة لإحياء المناسبات كصالات الأفراح رفعت أسعارها.
ولا شكّ في أن الزواج أهم القرارات المصيرية التي يتخذها الشاب في هذا الواقع الاقتصادي الذي أرهق كاهل المقبلين عليه، إذ بات تحقيق شروط الزواج من المستحيلات أمام الارتفاع الجنوني في الأسعار، فللزواج تقاليده المتعارف عليها والتي يطلبها أهل العروس من العريس، كالمنزل والذهب وحفلة الزفاف التي يتوجب على العريس إحياءها في صالة أفراح، وهنا يتحدث خليل (40 سنة) مستهجناً رفض أهل العروس له لأنه لا يملك الشروط السابقة كلها، وكان تبرير الرفض من قبل والد العروس بأنه غير مستعدّ لاستقبال ابنته مع زوجها وطفلها إذا أنجبت في حال لم يستطع دفع أجرة منزلهما، فهو بالكاد يؤمّن قوت يومه ويسدّ حاجة عائلته، وكذلك عمر الذي فسخ خطبته بعد أن طلب أهل الفتاة منه شراء ذهب بملايين الليرات السورية بحجة أنهم يريدون الاطمئنان على مستقبل ابنتهم والذهب لا خسارة فيه، مما أثار جنون عمر وقال إن الزواج اليوم أصبح كصفقة تجارية تهدف للربح على حساب العريس الذي لا حول له ولا قوة، وها هو حلم لينا بارتداء الفستان الأبيض يتبدّد أمام عينيها أمام غلاء أسعار الفساتين، حتى استئجار الفستان أصبح مكلفاً وقد يصل إلى أكثر من 3 ملايين حسب نوع القماش وتطريزه، وآثرت لينا إنفاق أجرة الفستان على مستلزمات أخرى أساسية لفرش المنزل، وتلك هبة التي اتفقت مع عريسها على إلغاء حفل الزفاف الذي كان من المقرّر عقده في إحدى الصالات المتواضعة في دمشق بعد أن وصل الحجز فيها إلى مليوني ليرة، واقتنعا بأنه من المعيب في ظلّ الظروف الحالية التي نعيشها إنفاق ذلك الرقم على المظاهر والشكليات والأجدى الاحتفاظ بالمبلغ ليوم أسود قد يختبرهما به القدر.
أزمة صالات الأفراح
عدد كبير من صالات الأفراح تعيش حالة ركود بسبب إحجام الكثيرين عن إقامة حفل زفافهم بصالة وتحمّل تكاليفها الباهظة، وعزا أبو نبيل، مستثمر إحدى الصالات في مدينة دمشق، ارتفاع تكاليف حجز الصالة إلى ارتفاع أسعار المواد، وهذا ينسحب على الضيافة التي ستقدّم في الحفل من مشروبات أو قوالب الكاتو أو البوظة والمحلاية وغيرها من الحلويات التي تقدّم في الأعراس، وكذلك تكلفة التصوير تضاعفت ووصلت إلى الملايين بعد ارتفاع أجور التصوير وأجور العاملات اللواتي يشرفن على الخدمة في الحفل، ولم يخفِ أبو نبيل رفع التكلفة لمحاولة تعويض الخسائر التي لحقت بالصالات بسبب انخفاض نسب الحجوزات، وأضاف أن النسبة الأكبر من الحجوزات أصبحت لمجالس العزاء والموالد النبوية التي استبدل الكثير الأعراس بها ممن لديه القدرة على الإنفاق وكان لها مردود جيد للصالة خلال الأحداث.
لا شكّ أن الاستمرارية في الحياة تتطلّب الزواج والإنجاب وتكوين أسرة، وأثبت المواطن السوري كما عبّرت الباحثة في علم الاجتماع هالة محمد خلال الأزمة، حبه للحياة وتشبثه بها وفي ذلك دفاع عن الوجود وإحباط للمؤامرات التي تهدف إلى نفي وجود الوطن والمواطن، وتضيف محمد أن طقوس الزواج اختلفت والمراسم الاحتفالية أصبحت محدودة ومقتصرة على عائلة العروسين فيما بينهما، وبيّنت محمد أن حفلات الزفاف والمناسبات التي تبالغ في التكاليف المادية والمظاهر تنمّ عن فئة من المجتمع مستهلكة وليست منتجة وهي فئة أنانية تفتقد الإحساس بمشاعر الآخرين، والمسألة ليست مزايدة ومبارزة بين الأسر بأساليب فيها تهميش للمشاعر وتسطيح للعقل، فالزواج هو رابطة مقدسة وليست الطقوس من تعطي الحب والسعادة وإنما طبيعة العلاقة ومدى الانسجام والتفاهم بين الطرفين، وبما أننا اليوم في مجتمع يعيش ضائقة مالية يجب التخفيف من الإسراف بطريقة تستفز الآخرين ونعيش المواطنة الحقيقية بإحياء أفراحنا وأتراحنا كعائلة واحدة.
الاستقرار حاجة نفسية ملحة وتحقيقه يجب ألا يتوقف على محبس برّاق أو زفاف مليء بالكماليات لإسكات أفواه الناس، فالتحديات المادية كثيرة، لذلك فإن القناعة والرضى بين الشاب والفتاة هما الأساس وليس تفاصيل جزئية ليوم من العمر، وعلى كل فتاة أن تقدِّر ظروف كلّ شاب، وخاصة في الضائقة التي نمرّ بها.