دراساتصحيفة البعث

يأسٌ غربي باحث عن صورة نهائية لهزيمة كييف

بشار محي الدين المحمد

21 شهراً مضت على بداية العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا وبتنا خلالها أمام عدّة تحولات جديدة ليست خافية على أحد، وفي طليعتها التصريحات الغربية الكثيفة المعترفة بفشل ما يسمّى “الهجوم المضاد” لقوات نظام كييف بعد طول انتظار لنتائجه، وبعد إغداق لدعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق له، زاعمين تحقيق هدف طرد روسيا من الأقاليم الأربعة التي ضمّتها إلى الوطن الأم في عام 2022، بل إخراجها أيضاً من شبه جزيرة القرم التي ضُمّت إلى الوطن الأم روسيا عام 2014، بل ذهبت المزاعم الأمريكية البريطانية إلى أبعد من ذلك من خلال توهّم تحقيق هدف دقّ المسمار في نعش النظام السياسي الحالي لروسيا، واستبداله بآخر يكون عميلاً للغرب على غرار نظام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

بات واضحاً أيضاً مدى الفتور واليأس الغربي من تحقيق نظام زيلينسكي أي انتصار أو حتى خرق في الجبهة الروسية، فالكونغرس الأمريكي أحبط إرسال مساعدات إلى النظام الأوكراني بقيمة 60 مليار دولار كان قد حضّر لها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعلى المقلب الأوروبي شهدنا أيضاً “فيتو” بولندي لمنع الاتحاد الأوروبي من إرسال مساعدات إلى نظام زيلينسكي تقدّر بـ50 مليار يورو.

إن ما ذكر آنفاً بات يشي بسرعة وقوة حسم الصراع لمصلحة روسيا الذي أخّرته تدخلات الغرب غير المتناهية، وخاصةً بعد فشل كل محاولات نظام زيلينسكي إقناع حلفائه بإرسال المزيد من الدعم إليه، حيث يتمثل واقع جديد الآن ليس في مجرّد الفتور والانكفاء الغربي عن دعم قوات كييف، بل في بدء البحث الجدّي عن مخرج جديد وحل يحفظ ما بقي من ماء الوجه الغربي -إن بقي أساساً- وتهيئة نظام كييف لقبول تنازلات كبرى خلال عمليات التفاوض المحتملة مستقبلاً مع روسيا، وخاصةً لجهة التسليم بأن الأقاليم الأربعة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من روسيا، فالخطوط العريضة الأمريكية الأوروبية السرية للتفاوض تنطلق من قبول أوكرانيا التنازل عن 20% من مساحة أراضيها. والموقف الغربي لخمسين دولة داعمة لنظام زيلينسكي تحوّل من دعمه لـ “هزيمة روسيا”، إلى دعمه للتفاوض مع روسيا. وصحيح أن معظم ما يتردّد الآن هو تسريبات، لكن التحوّل بات ظاهراً للعيان، فالبيت الأبيض وعبارات بايدن كانت تزخر سابقاً بمقولة “سوف ندعم أوكرانيا مهما تطلّب الأمر”، أما الآن فأصبحت التصريحات تعج بدلاً منها بمقولة “سوف ندعم أوكرانيا قدر استطاعتنا” والفرق شاسع في الدلالات بين العبارتين، والمعيار هو كم اليأس الواضح من تحقيق أوكرانيا أي نصر بعد تلقيها دعماً مالياً يفوق الـ350 مليار دولار، ومساعدات استخباراتية واستشارية عسكرية لا تقدّر بثمن، ناهيك عن الإجراءات الغربية الأحادية الساعية لخنق الاقتصاد الروسي، كما أن اليأس الأمريكي قد زاد بعد مطالبات من قادة الجيش الأوكراني لوزير الدفاع الأمريكي بـ17 مليون وحدة سلاح متنوعة وإمدادات متنوعة تقدّر قيمتها بـ350-400 مليار دولار، فضلاً عمّا تم إنفاقه سابقاً للتمكّن من “هزيمة روسيا”، وبالنظر إلى حجم المطالبات الأوكرانية يتبين أنها لا تحتاج إلى دعم دول “الناتو”، بل تحتاج إلى فوائض سلاح كل جيوش العالم، وربما، بل من المؤكد أنها لن تنتهي بتحقيق النصر لنظام كييف على الجيش الروسي.

وعلى المقلب الأوكراني، وفي نظرة موضوعية إلى داخل النظام نجد كمّاً من الانفصال عن الواقع وعدم الاعتراف بالهزيمة والتفكير بالتفاوض من زيلينسكي، يقابله اعتراف بالوصول إلى طريق مسدود على مستوى كل القيادات وعلى رأسها قائد الجيش الأوكراني، فالجميع يقرّون بوصف الجيش الأوكراني بأنه وصل إلى حالة معلقة “لا نصر ولا هزيمة”، مؤكدين أن التاريخ أثبت أن هذه الحالة إن طالت سيستفيد منها أحد الطرفين، والمستفيد الأكيد هو الجيش الروسي الذي طوّر قدراته وهو قادر على سدّ أي نقص لأسلحته رغم الحصار الغربي، في وقت ينتظر فيه جيش نظام كييف نفاد ذخيرته، كما تصف تصريحات قادته الجيش بأنه أصبح بلا رجال، ومهما أُغدق من سلاح “الناتو” عليه فإنه لم يعُد يملك المقاتلين، بل حتى إنه أصبح عاجزاً عن تجميع وتدريب الاحتياط لأن القوات الروسية قادرة على استهداف أي قوات احتياطية في مراكز تجمّعها، في رسالة قوية واضحة لعدم التحاق أو تورّط أي احتياطي أوكراني بالقتال في صراع شبه محسوم لروسيا.

وعلى كل فإن تفاعل حالة اليأس الغربي والداخلي الأوكراني سينجح في تسريع إنهاء الصراع وبدء التفاوض مهما تأخرت محاولات البحث عن طريقة لتخريج النتيجة التي ستكون مريرة سواءٌ على أوكرانيا أم على كل محور الغرب لكونها رسمت وستكمل رسم العالم الجديد الرافض للقطبية.