ثقافةصحيفة البعث

رمزية أحجار النرد في لوحات عمار الشوا

ملده شويكاني

ماذا أراد الفنان التشكيلي عمار الشوا من أحجار نرد جعلها عنصراً أساساً في لوحاته، لتكون رابطاً بين المكونات بدلالاتها الرمزية؟.. لقد ترك للمتلقي أسئلة مفتوحة لقراءات متعددة تنضوي ضمن دائرة الحياة، وربما أراد إظهار التناقضات والتضاد بين اللونين الأبيض والأسود بين الطرفين السلبي والإيجابي، وما يتبعهما من مشاعر الفرح والحزن بين الربح والخسارة بكل خيباتها وخذلانها.

وعلى الرغم من اختياره عناوين واقتباسات توحي أحياناً بأبعاد فلسفية، لكن تبقى للمتلقي حرية القراءة والتبحر بالحركة والانفعال اللوني.

ولم تكن أحجار النرد هي العنصر الأساس الوحيد، إذ التقت مع طيور رمز من خلالها إلى الخلود لتكتمل لوحاته مع الأنثى بحالات مختلفة بوجود إضافات أخرى واتكاءات على خلفيات مستمدة من الطبيعة بأسلوبه الواقعي التعبيري.

أقراط أحجار النرد

في إحدى لوحاته تزينت أنثى غارقة بعالم السكون، وهي مغمضة العينين بلحظة هاربة من الزمن بأقراط أحجار النرد، التي عنوّنها باقتباس من شعر رياض الصالح الحسين “بسيط كالماء.. واضح كطلقة مسدس”، فشدت تموجات الألوان المندمجة بين الأخضر والأصفر المحيطة بالأنثى المتلقي إلى الحالة الذاتية التي تعيشها أو تحلم بها.

حضور الغياب

وفي لوحات أخرى أيضاً، أشارت أحجار النرد إشارة إلى حضور الغياب، ولاسيما في اللوحة الرومانسية التي جسد فيها طاولة خشبية صغيرة بدا عليها الاهتراء من الزمن مع كرسيين خشبيين، وفوق الطاولة نرى الصحن الذي يحتوي على حجري النرد في الوسط مع كأسي الشاي المتقابلين من دون أشخاص، مركزاً على هالات اللون البنفسجي المفضل لديه وعلى حركة الكرسي الدالة على مغادرة أحد الطرفين.

النرد والطير

وفي أخرى تغيرت وضعية الصحن إلى الوعاء الصغير الذي يحتوي على حجري النرد بإضافة ملعقة صغيرة ووقوف الطير فوق الوعاء على سطح خشبي بلونه الأخضر على القاعدة البنفسجية، بينما أفصح في أخرى عن دلالات النرد في تغيير باللون وبالخلفية التي تناغمت فيها حركة الطيور بموسيقا لونية بين مشتقات البنفسجي بتدرجات الزهري، ويبقى في الوسط الصحن الذي يضم حجري النرد، ويقف الطير فوقه لكن بحركة مختلفة ينظر فيها إلى اليسار يتابع بصمت سرب الطيور، وتبدو ألوانه أكثر إشراقاً حتى للسطح الخشبي، ليأت عنوانها بالتفسير “الأصدقاء أوطان صغيرة”.

سلسلة من المضامين

ربما استكمل الشوا لوحته بسلسلة من مضامينه بلوحة تظهر فيها أحجار عدة من النرد، وليست ثنائية فقط بطبق قش صغير، يرمز إلى التراث، ويبدو الطير وهو ينظر إلى اليمين ويتابع سرب حركة الطيور، راسماً السطح الخشبي بقاعدته الرباعية الصغيرة، وتتناثر على الأرضية نثرات من الأعشاب الخضراء.

الطير والمعاناة

في حين يعبّر عن معاناة كثيرين بلوحته التي عنوّنها بـ “اللوحة تقرع أجراس الأجسام المتعبة”، ويظهر السطح الخشبي ذاته بلونه الأخضر على القاعدة البنفسجية ويتمركز الطير فوقه رافعاً رأسه إلى السماء بمنقاره الأحمر وجسده المتهالك، بينما كان حجرا النرد يقفان أمامه كشاهد عليه.

ويكمل سلسلته بلوحة الطيور الجماعية بإيقاع حركي لبعضها وسكون لأخرى تستند إلى أزهار ملونة تومئ بالتفاؤل، وهي اللوحة التي شارك بها مؤخراً في المعرض السنوي الذي أقامته وزارة الثقافة خلال أيام الفنّ التشكيلي السوري بموسمها السادس.

شريط سينمائي

لوحات متعددة توحي بشريط سينمائي لمشروعه الذي جمع فيه بين النرد والطيور والأنثى التي تبدو حزينة في أغلب حركاتها ونظراتها، ومن جانب آخر رسم القارب المستكين إلى الشاطئ أثناء غضب البحر الهائج بأمواجه المتلاطمة وسفر الغيوم الداكنة في جزء منها.

مشاركات دولية

موضوعات كثيرة تطرق إليها الفنان عمار الشوا في مسيرته الفنية التي بدأت منذ الطفولة، عندما رسم معلمته وهو تلميذ على مقاعد الدّراسة، وعُلقت رسمته في الإدارة، ليغدو فناناً تشكيلياً معروفاً، حجز لنفسه مكاناً في الساحة التشكيلية، وشارك بمعارض جماعية في إسبانيا وأمريكا في ولاية “أوهايو” بمدينة “اكرون”، وفي كندا في “تورونتو”، وفي الإمارات العربية المتحدة والكويت وغيرها، بالإضافة إلى معارضه الفردية والجماعية في سورية ومشاركاته بالملتقيات، منها ملتقى الناصرة الذي يضم أهم فناني سورية.

الملفت أنّ الشوا درس الرسم دراسة خاصة، فبعد الانتهاء من دراسته ودخوله ميدان العمل، انتسب إلى مركز خاص للفنون التشكيلية وحصل على شهادة من المركز بعد دراسة أربع سنوات.

الطبيعة والأشياء

وظّف الشوا ثقافته العامة بعلوم الفلسفة والتاريخ والفنون والأساطير والحضارات بلوحاته، بالإضافة إلى اهتمامه بمفردات التراث، مبتدئاً بالنسخ إلى الواقعي والتعبيري، ومتأثراً بنصيحة “دافنشي” التي تقول “النسخ مهم” ويرى أن النسخ أكاديمية تعليمية تتضمن الجرأة على استخدام اللون، وهو مهم جداً في بداية طريق الفنان، ليخلص إلى أن الفنّ مسألة حياة وتجدد وغالباً ما يبحث في اتجاهات مختلفة والبدء من جديد.

أما الأسلوب الواقعي التعبيري بالنسبة إليه فيحرضه على خلق أسئلة، ومن الطبيعي أن يوسع الفنان فضاء لوحته عبر أسلوب خاص به قدر الإمكان، وعلى الفنان أن يجيد الإنصات إلى الموسيقا البصرية للطبيعة والأشياء.

الحنين إلى الماضي

لعل لوحات معرضه في صالة عشتار “لا حدود بين الفنّ والحياة” الذي رسم فيه السيارات القديمة بأسلوب واقعي بالاعتماد على الخلفيات المستمدة من الطبيعة من أكثر أعماله انتشاراً، وقد قال عنه في أحد حواراته: “لم أتردد في الإنصات إلى موسيقا تلك السيارات القديمة التي تربطنا بزمن جميل، على الرغم من أنها مركونة الآن وتتنفس ماضيها بحزن وألم، فأردت أن أعيد لها الزمان والمكان اللذين كانا لها في سالف الأيام”.