انتخابات “الصدمة والرعب” الأمريكية
عناية ناصر
على الرغم من التعتيم الإعلامي على التغطية المؤيّدة للفلسطينيين والمبالغة المفرطة في الدعاية المؤيّدة لـ”إسرائيل”، فإن الدعم للفلسطينيين يتزايد بشكل مطّرد في جميع أنحاء البلاد. وسيكون لذلك تأثير في الانتخابات الأميركية المقبلة، بدءاً من الرئاسة وصولاً إلى أعضاء الكونغرس المحليين.
إن حقيقة قيام “إسرائيل” بقمع الفلسطينيين ومعاملتهم بوحشية في غزة، أكثر بكثير ممّا فعلته في الضفة الغربية والقدس الشرقية. من الصعب تصديق الدعاية التي تروّجها الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو الفاسد.
وبغض النظر عما تفعله حكومة “إسرائيل”، أو وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية المتحيّزة والعنصرية، أو الإدارة غير الكفؤة والمتعثرة للدفاع عن جرائم الحرب “الإسرائيلية” والقسوة ضد المدنيين في قطاع غزة، فإن القصة الحقيقية بدأت تنتشر وتتضح. إن ما يراه الجمهور الأمريكي من هذا الرعب، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، أمر صادم، وسيكون له تأثير كبير في الانتخابات، حيث بدأ العديد من الأمريكيين العاديين يعبّرون عن غضبهم من الوحشية التي تمارسها “إسرائيل”، إذ قتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن أكثر من 20 ألف شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم أكثر من 8000 طفل، ودمّرت عشرات الآلاف من المنازل والشركات المملوكة لمدنيين.
إن ما يتبناه الساسة الأمريكيون هو فورة انتقام من جانب الحكومة الإسرائيلية، ممزوجة بالاستغلال السياسي الأناني لدعم حكومة نتنياهو غير المستقرة، واستهداف الفلسطينيين مدفوع بالصورة النمطية العنصرية التي تروّج لها حكومة “إسرائيل” المفلسة أخلاقياً. ويتم الدفاع عنها بشكل أعمى من مجموعة من المسؤولين الأمريكيين المنتخبين، بما في ذلك البيت الأبيض ومجلس الشيوخ والكونغرس، والعديد منهم مدمنون على الضخ الهائل لتمويل الحملات الانتخابية من لجان العمل السياسي المؤيّدة لـ”إسرائيل”، كما أنهم يخشون أن يتم تشويه صورتهم أثناء الانتخابات بسبب ادّعاءات كاذبة بمعاداة السامية. لقد استخدم المدافعون العميان عن” إسرائيل” ادّعاءات معاداة السامية كسلاح في محاولة لخنق الغضب المتزايد المتصاعد بين الجمهور الأمريكي. ويخشى العديد من الأمريكيين إدانة “إسرائيل” علناً، خوفاً من أن يلوّثهم حراس “إسرائيل “الذين تحرّكهم الكراهية وهم يرون بوضوح المذبحة التي ارتكبها نتنياهو في غزة، وكيف تتم شيطنة حتى اليهود الذين يحتجون على أعمال القتل الوحشية.
إن هذا الصراع لا يقوّي “إسرائيل”، بل يهيّئها للاضطرابات السياسية والانهيار في نهاية المطاف. يخشى الأمريكيون التعبير علناً عمّا يشعرون به، خوفاً من التنمّر العام المدمّر والشتائم. لكنهم لا يحتاجون إلى إخفاء مشاعرهم عندما يدلون بأصواتهم، وخاصة أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تصدّعات كبيرة في الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”، حيث إن الأمريكيين يشعرون بعدم الارتياح الشديد إزاء ردّ فعل الحكومة “الإسرائيلية” الوحشي على عملية “طوفان الأقصى”، واستخدام 14.3 مليار دولار من أموال الضرائب الأمريكية ومخبأ لا نهاية له من الأسلحة والقنابل الأمريكية الصنع في مذبحة غزة.
يُظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع “سيينا كوليج” قبل عيد الميلاد، أن الأمريكيين منقسمون بالتساوي بين الدفاع عن “إسرائيل” وإدانتها. وتشير الصحيفة إلى أن وجهات النظر الأمريكية بشأن إسرائيل “منقسمة”، وهذا الأمر ليس في مصلحة “إسرائيل”، التي تمتعت على مدى أجيال بدعم شعبي أمريكي لا يتزعزع.
والأسوأ من ذلك أن الاستطلاعات تظهر أن القاعدة السياسية للرئيس منقسمة، فالكثير ممّن أعطوا جو بايدن الزخم الذي يحتاج إليه لهزيمة دونالد ترامب في عام 2020، يتخلون عنه الآن بسرعة البرق، ليس فقط بشكل مؤقت، ولكن بشكل دائم وفي إعادة تنظيم طويلة المدى لنشاطهم السياسي. وسوف تساهم حملة “التخلي عن بايدن” المتزايدة، التي يقودها الناخبون الأمريكيون المحبطون، في هزيمته في عام 2024.
ويظهر ذلك من خلال إلقاء نظرة على أرقام الانتخابات من “الولايات المتأرجحة” الحاسمة خلال انتخابات عام 2020، حيث هزم بايدن ترامب في ولاية ميشيغان بفارق 154.188 صوتاً فقط، وفي أريزونا بـ10.457 صوتاً، وفي ويسكونسن بـ20.682 صوتاً، وفي جورجيا بـ11.779 صوتاً، وفي نيفادا بـ33.596 صوتاً، وفي بنسلفانيا بـ81660 صوتاً، وفي ولاية مينيسوتا، التي تضم عدداً كبيراً من السكان العرب والمسلمين، هزم بايدن منافسه بفارق 233012 صوتاً.
ويتضاءل حجم هذه الاختلافات في الأصوات مقارنة بأكثر من 155 مليون صوت تم الإدلاء بها. إن الأمريكيين العرب والمسلمين يقومون بما يقوم به كثير من الأمريكيين في كثير من الأحيان، أي التصويت “ضد” المرشحين في الانتخابات بدلاً من التصويت “لمصلحة” مرشح ما. إن إضعاف بايدن لا يعني دعم ترامب. إنها استراتيجية طويلة الأمد مع عجز قصير الأمد، مثل احتمال إعادة انتخاب ترامب. لكن ترامب يواجه 91 لائحة اتهام بالفساد على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات لا يمكن التغلب عليها، وربما لا ينجو منها .
إن هذه الفوضى السياسية تفتح الباب أمام مرشح حزب ثالث، ويتصدّر هذا المجال روبرت ف. كينيدي جونيور، نجل المدعي العام الأمريكي السابق الذي يحمل الاسم نفسه، وابن شقيق الرئيس السابق جون ف. كينيدي، اللذين اغتيل كلاهما.
ليس هناك أية ضمانات، لكن هناك عدة أشياء واضحة: لم يعُد الجمهور الأمريكي على وفاق مع إدارة بايدن، ومن غير المرجّح أن يعود ترامب إلى عرشه المبتلى بالجدل. وفي الوقت نفسه، تعمل “إسرائيل” على تسجيل نقاط في “بطاقة الأداء” التي تشير إلى أن عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول يفوق بكثير عدد القتلى “الإسرائيليين”، ولكن بتكلفة أخلاقية ضخمة تكشف الوجه الحقيقي لحكومة الكيان الإسرائيلي غير الأخلاقية. تعني الانتخابات الأمريكية أن عام 2024 سيكون عام “الصدمة والرعب” الذي لم يسبق له مثيل في الغرب.