عام آخر في مواجهة المجرم ذاته
أحمد حسن
في وقت واحد، ومع مطلع العام الجديد، تحرّك المجرم ذاته ولو تحت أسماء مختلفة – أصالة عن نفسه ووكالة عن “السيد” الأمريكي – ضد سورية، ففيما واصلت “إسرائيل” اعتداءاتها على الأراضي السورية، استيقظ تنظيم “داعش” في البادية، واستنفرت الفصائل الإرهابية “التركية” في الشمال، وبرزت ملامح إعادة إشعال الجنوب السوري، ليقوم كلّ من هؤلاء بدوره المرسوم سلفاً في محاولة إنهاك سورية وتدميرها.
والحال فإن ذلك ليس أمراً مستغرباً في ظل التخادم المتبادل بين “السيّد” القابع في البيت الأبيض والأتباع في المنطقة، وإن كان هذه المرة مرتبطاً بصورة أوثق بالجريمة الإسرائيلية – الأمريكية المستمرة في فلسطين، ليس كمحاولة لحرف الأنظار عنها فقط، بل لوضعها في سياق أوسع من الفوضى والقتل بما يخفّف، من جهة أولى، الضغط على كيان الاحتلال الذي يتخبط بأزماته، ويحقّق، من جهة ثانية، هدف واشنطن الدائم المتمثل بـ”إثارة أزمات على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها من أجل حلّ قضاياها على حساب الشعوب الأخرى” كما حذّر، محقاً، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة إعلامية أواخر العام الماضي.
بهذا المعنى تُقرأ الأزمة السورية في سياقها الطبيعي، وفي هذا السياق نفهم أحداثاً تبدو متباعدة في المظهر لكنها متشابكة جداً ومتماثلة في الجوهر، منها مثلاً توقيف المعونات الغذائية عن سورية منذ مطلع العام، ومنها سقوط البند الفلسطيني من سطور أجندة الجماعات المسلحة في سورية رغم ادعاءاتها الإعلامية وواحدية الجذر الفكري والبعد التنظيمي لها مع مشاريع “الخلافة” في المنطقة، وهذا أمر لا يمكن فهمه بعيداً عن أمرين اثنين، أولهما، العودة الملزمة إلى دفتر الشروط الأصلي –بتوجهاته وأهدافه- الذي وضعه الراعي البريطاني الأساسي لهذه الجماعات منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وواصل مراقبة تنفيذه الوريث الأمريكي بعد غروب شمس لندن العالمية، والثاني، موقف سيّدها الإقليمي، الأردوغاني، الذي يرفع الصوت ضد إسرائيل في الوقت الذي ترتفع به صادرات بلاده إليها كدعم اقتصادي مجرم ومفضوح لآلة الحرب في مجازرها ضد الفلسطينيين.
والأمر أن ما يفعله هذا المجرم مع مطلع العام الجديد، ليس إلّا محاولة لجعله عاماً آخر من المأساة، ترغب فيه الإدارة الأمريكية – بايدن في نسخته الصهيونية العارية – بإعادة تكرار الاختبار الميداني لفكرة “فرض سياسات عالمية غير مُكلفة، وإحداث صراعات متعددة في العالم”، وإذا كان ذلك مفهوماً في عالم السياسة، وقد اعتدنا على تقلباتها، فإن ما يعنينا، مرة جديدة، هو أوراق المواجهة لهذا المشروع، وإذا كان العام الماضي قد أقفل على أمرين لافتين أولهما بدء رفع كلفة احتلال واشنطن للشمال الشرقي الذي تطمح لجعله ورقتها العسكرية والاقتصادية الدائمة ضد سورية، وثانيهما بدء حراك داخلي، إداري وحزبي “بعثي”، يشي بإعادة بث دماء التجديد في عروق الإدارة الحكومية كما في شريان أكبر حزب فاعل – وقائد بالضرورة والمشروعية الشعبية، في البلاد – فإن العام الحالي يبدو استكمالاً لهذه التوجهات التي تعني، في المحصلة النهائية، رفع مستوى كفاءة وفعالية المواجهة مع عدو جائر لا يتورع عن أي جريمة، كما أثبت، سواء في سورية أو فلسطين، الأمر الذي يتطلب انخراط جميع السوريين في المواجهة، فالمعركة تخاض ضدهم وعليهم في الآن ذاته، لذلك تبدو مواجهتها فرض عين لا فرض كفاية، وكلّ في، ومن، موقعه وإلا سنكون، جميعاً مرة جديدة، ضحايا العام القادم وما بعده.