الصين نحو عالم تسوده الأخلاق الدولية
بشار محي الدين المحمد
تواصل جمهورية الصين الشعبية السير بخطىً ثابتة ومستمرة في العديد من الصعد، فعلى الصعيد الداخلي تبرز اهتمامها بتحقيق الاشتراكية وفق النمط الصيني الملبي للتطور الحاصل كحامل للنمو الكبير الذي تحققه البلاد على الصعيد العلمي والتقني والاقتصادي، وضمانة لاستمرارية رفاه المواطن.
وعلى الصعيد الخارجي والسياسة الخارجية تنطلق الصين من تحقيق استقلالها ووحدة أراضيها والحفاظ عليهما من أي تهديد كان، والدفاع عن أمنها القومي ومصالحها الجيواستراتيجية. مع حرصها التام على ضرورة إعطاء مفهوم أكثر عدلاً للعلاقات الدولية بغض النظر عن حجم الدول، والتزام الأخلاق الدولية، ونبذ الأحادية والسياسات الحمائية، حيث يظهر ذلك من خلال حرصها على الاشتراك في خلق اتجاه موحد لدول العالم أو الأغلبية الساحقة لدول العالم.
وفي هذا المضمار ركز المؤتمر المركزي للعمل المتعلق بالشؤون الخارجية الذي عقدته الصين مؤخراً على توجهات الفكر السياسي والاقتصادي الصيني المنبثق من الاشتراكية وفق النمط الصيني وفكر رئيس الصين شي جين بينغ، الذي لخص وضع الساحة الدولية وحدد موقف الصين منها الآن ومستقبلاً. كما ركز هذا المؤتمر على جملة من القضايا وفي مقدمها مكتسبات الشؤون الخارجية للصين والتحولات الإيجابية التي تحققها الشؤون الخارجية للبلاد، وما أضافه جين بينغ للدبلوماسية الصينية وللحياة الحزبية في مضمونها الجديد عبر التحلي برؤية الانفتاح والعالمية. كما تدعو الصين دائماً لبناء مجتمع ومستقبل مشترك للبشرية من خلال تحقيق التنمية المشتركة والأمن العالمي والتبادل بين كل الحضارات، مؤكدةً على الترابط بين تحقيق التنمية والسلم انطلاقاً من قاعدة أنه كلما زادت التنمية الاقتصادية في بلد فإن كلفة الحرب عليه تكون أعلى، وما يؤكد السعي العملي الصيني لتحقيق هذه القاعدة هو حجم الإقراض والإنفاق الخارجي الذي تقدّمه بكين للعديد من الدول حول العالم في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وانضمامها إلى العديد من الكيانات الاقتصادية العالمية ومساهمتها في تمويل صناديقها، انطلاقاً من تحقيق مصالحها ومصالح الدول الأخرى وفق قاعدة “رابح – رابح”.
إن ما سلف ذكره آنفاً يختلف كل الاختلاف عن نهج العديد من الدول الكبرى التي أوقعت نفسها في أخطار متعددة، وهددت الاستقرار الدولي نتيجة توحش مؤسساتها وكياناتها الاحتكارية وكارتلاتها الرامية إلى تجميع الثروات والمال بغض النظر عن إلتزامها بالقيم الدولية أو السعي لتحقيق التنمية أو الأمن للشعوب على أي صعيد كان. في وقت تنطلق الصين نحو تحقيق معادلة العلاقات بين الدول الكبيرة بصورة تقوم على التعايش السلمي وتحقيق الاستقرار الدائم والتنمية المتوازنة والتوسع بالتخطيط الاستراتيجي الشامل. فضلاً عن مساعيها الحثيثة لتحقيق الحوكمة العالمية وإصلاح المنظومة والنظام الدولي وتخليصه من مشكلاته الجمّة.
صحيح أن الصين تعرّضت للكثير من الرياح العاتية وخاصة خلال العقد الأخير، لكنها مع ذلك نجحت وتواصل النجاح في تخطي الصعاب والتحديات الخارجية، بل اكتسبت المزيد من الاستقلالية على الصعيد الدبلوماسي، وتعاظم دورها الريادي، إذ عبرت الصين عن رفضها سياسات التنمر والاستكبار المبنية على القوة، وتصرّ على تكريس النضال للدفاع عن المصالح الوطنية مهما دخل العالم في مراحل من الاضطراب والتحول، فهي تؤمن بالحتمية التاريخية لانتقال العالم إلى المزيد من الحضارة والتطور، وتحقيق الازدهار والتنمية.