مجلس حكماء لـ “أفكار جريئة”
قسيم دحدل
حتى الأمل يبدو أنه قد تلاشى مع طلائع قرارات الرفع لأسعار المحروقات والغذاء، المتزامنة مع قرارات الزيادات الضريبية والمالية السلبية، ناهيك عما كان يُرتجى من تسهيل وحلحلة للتعقيدات الإدارية والبيروقراطية في مختلف أوجه المجالات الاقتصادية والخدمية التي تعجز مؤسّسة كاملة عن إحصائها وقياس آثارها وتحديد تبعاتها!!
من هنا، يمكن النظر إلى العام الجديد كعام سيشهد استمرار أغلبية الأزمات التي مرّت في العام الماضي وما سبقه، فالآثار الاقتصادية السلبية لا تنتهي عادة بسرعة، لأن تبعاتها طويلة الأمد، وخاصة إذا ما ظهرت في فترة لم يعد فيها للتيسير النقدي وجود على الأقل في المدى المتوسط (سياسة التيسير النقدي هي إحدى الآليات التي تلجأ إليها البنوك المركزية من ضمن السياسات النقدية، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، هذه العملية تقضي بضخ الأموال وزيادة السيولة في الأسواق خلال فترات الركود، من أجل تحريك عجلة الإنتاج والاقتصاد)!!
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يعقل أنه وفي كلّ مرة تحتاج الحكومة لترقيع ماليتها العامة، تسارع إلى رفع الأسعار والضرائب (وما أدراكم كيف يتمّ حسابها)، دون أي احتساب لآثار هذا الرفع الذي أنهك السوريين، وجعل غالبيتهم تحت خط الفقر؟!
نعم لقد تعدّت الأوضاع حواجز الخوف من أن نصاب بانتكاسات اقتصادية أكبر وأعمق أثراً وتأثيراً على المستوى المحلي، الأمر الذي يستدعي وبالسرعة القصوى تشكيل مجلس من الحكماء والخبراء الاقتصاديين، وهذا يتلاقى مع تصريحات رئيس الحكومة ودعوته لكل من لديه “أفكار جريئة”، حسب تعبيره، ليدلي بدلوه فيما نحن فيه، لعلًّ وعسى يكون لديه ما ينشلنا من بئر الأزمات الذي نتخبّط فيها.
ويتزايد تخوفنا في ضوء ما شاهدناه على المستوى الدولي من تفاقم للمصاعب الاقتصادية في 2023، والتي اختلفت آثارها من بلد إلى آخر، لكنها في النهاية تركت – ولا تزال – أضرارها على كل ّالدول دون استثناء، بما فيها تلك البعيدة عن الصراعات والقادرة على مواجهة “الشدائد” المفاجئة أو الاستثنائية؛ فهناك دول دخلت في تقلبات ستتواصل في العام الجديد، بصورة عميقة عبر نمو منخفض جداً أو ركود أو تباطؤ أو هبوط ناعم، نتيجة للتقلبات التي أصابت حتى الاقتصاديات المتقدمة، من خلال السياسات المالية التي اضطر العالم لاتخاذها بسبب تصاعد حدة التضخم وتراجع النمو، وهذه النقطة على وجه الخصوص تعطي مؤشراً واضحاً للأوضاع الاقتصادية العالمية في 2024، إذ لا تزال تكاليف الاقتراض مرتفعة، ما أثر بشدة في مستقبل النمو الذي تحتاج إليه كل الدول لمواجهة استحقاقات المرحلتين السابقة والآتية.. فكيف بالأحرى لدولة مثل سورية شهدت وتشهد أزمات مركبة؟!!