مدن جريحة.. تجربة افتراضية أنجزتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لثلاث مدن عربية إحداها لـ”سوق حلب القديم”
دمشق- لينا عدره
أنجزت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مشروع “مدن جريحة” والذي هو عبارة عن تجربة افتراضية، خصَّت بها المُشاهد خارج البلدان التي تشهد أحداثاً مؤسفة، بهدف إيصال رسائل رئيسية، أهمها وضع المُشاهِد في الخبرة التي يتعرّض لها المدنيون خلال الأحداث التي وقعت في بلدانهم، وخلق وإثارة نوع من التعاطف معهم.
وبينت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية سهير زقوت في تصريحٍ خاص لـ”البعث” أن التجربة توزّعت بين ثلاث مدنٍ في المنطقة العربية شهدت أحداثاً مؤسفة في العقود الماضية هي: حلب في سورية، والموصل في العراق، ومدينة غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لافتةً إلى أن اللجنة بدأت عملها في العام 2021 من خلال التقاط 35 ألف صورة متراكبة باستخدام طائرات مسيرة وكاميرات محمولة بأسلوب يضمن سبر أغوار كلّ مبنى من زواياه كافة وتسجيل تفاصيله كاملةً، منوهةً بإطلاق المشروع بتاريخ 19 كانون الأول على موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأشارت زقوت إلى أن الهدف من المشروع، أولاً بيان المعاناة الإنسانية وتوضيحها بعد انتهاء القتال، وخاصةً في المدن المأهولة بالسكان، ومناشدة وحثّ كل الدول التي تعمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني تحييد المناطق والمدنيين والحفاظ على المعالم الأثرية، وخاصةً مع تشديد القانون الدولي الإنساني وتأكيده منح المواقع الأثرية حمايةً أثناء الحروب، لأن تلك المواقع جزء من الموروث الإنساني، ولا تخصّ شعباً أو دولة محدّدة.
وحول الجزئية المتعلقة بمدينة حلب، أوضحت زقوت أنها هدفت لتسليط الضوء على الهوية الثقافية التي دُفنت تحت الأنقاض عبر التصوير المسحي والجوي لسوق حلب القديم، مشيرةً إلى أن غاية اللجنة من إنتاج هذا النوع من المنتجات الإعلامية تسليط الضوء على القضايا الإنسانية للمدنيين أثناء الحروب، كون جُلَّ التركيز خلال الحروب يكون على مواقع الضربات وأعداد الضحايا، إلا أن تلك الأخبار وعلى الرغم من ضرورتها، يجب ألا تنسينا وجود معاناة إنسانية صامتة عند انتهاء القتال، معاناةٌ لا نشاهدها في العناوين الرئيسية للصحافة العالمية والمحلية عادةً، لذلك واعتماداً على كلّ ما سبق اُختيرت مدينة حلب لما لحق بها من دمارٍ كبيرٍ وتحديداً في السوق القديم الذي تعرّض لأضرار بالغة، السوق الذي تجاوز عمره مئات السنين واُعتبر من أهم المعالم الأثرية التي كانت تعجُّ بالحياة، مُشكِّلاً في وقتها وجهةً ومزاراً للسوريين، وخاصةً مع وجوده في مدينةٍ تعتبر مركزاً للصناعة والاقتصاد السوري، ما دفعنا -توضح زقوت- لاختياره لوضع المُشَاهِد خارج سورية مكان السكان المحليين الذين وعلى مدار ثلاث سنوات رأوا مدينتهم ومعها هويتها الثقافية تُدفن تحت الأنقاض، ولتمكين المُشاهِد في الوقت نفسه من اللمس والتفاعل مع القصص الشخصية للسكان المحليين عبر صورٍ وشهاداتٍ حيَّةٍ لهم، منوهةً بما شاهدته من عودةٍ للحياة في بعض متاجر السوق القديم أثناء زيارتها لمدينة حلب في نيسان الماضي، إلا أن الكثير من الردم مازال هناك، وخاصةً بعد الزلزال، لافتةً إلى أن السكان هناك باتوا يفرزون الأضرار لنوعين إما بتأثير الأحداث أو بتأثير الزلزال، ما جعل الآثار مُضاعَفة لأن الزلزال أتى على ما تبقى من السوق.
أما عن شهادات السكان المحليين التي تضمّنها المشروع، وتحديداً تلك المتعلقة بمدينة حلب وسوقها القديم، فقد بيّن حسن أحمد سويدان أحد مالكي المتاجر في السوق القديم أن الوقت قد فات، وخاصةً بالنسبة لكبار السن للبدء من جديد، آملاً بأن يتمكّن الأبناء من فعل ذلك وبدء النشاط لأن الكائن الحيّ مصيره الفناء، ولكن الأسواق ومهما تعثرت فحتماً ستنهض من جديد.
في حين تستذكر صبا القاضي وهي إحدى زبائن السوق الأوقات العصيبة التي مرّت على المدينة، قائلة: كُنَّا في رمضان وقت الإفطار وتحديداً في فندق الكارلتون التاريخي -الذي دُمِّرَ كليَّاً- حين بدأنا بسماع أصوات الاشتباكات بوضوح من بعيد، لتقترب الأصوات وتشتدّ بعده الاشتباكات أكثر فأكثر، ما دفعنا لعدم إكمال طعامنا، لنسمع لاحقاً بأن أجزاءً كبيرة دُمِرت في السوق القديم، الأمر الذي أشعرني بالكثير من الحسرة والحزن، متمنيةً لو أن تلك الأخبار غير صحيحة، مستذكرةً في شريط ذكرياتها الأحداث الجميلة التي عاشتها أثناء ارتيادها السوق وصديقاتها للتسوق، ومن ثم أخذ القهوة أو تناول الغداء في أحد المطاعم التاريخية الموجودة في محيط القلعة.
وقد قُدِّرت نسب الدمار في مدينة حلب بـ60% فيما بلغت 30% في حلب القديمة ما تسبّب بنزوح 120 ألف سوري، الأمر الذي منع عودة العائلات إلى أماكنهم على الرغم من مرور عدة سنوات على تحرير المدينة ورغم المجهود الكبير الذي تبذله الجهات المحلية الرسمية والمنظمات المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني، إلا أن ذلك لم يُسرِّع من عودة الحياة إليها كما كانت في سابق عهدها تعجُّ حياةً ونشاطاً، وخاصةً في سوقها القديم، لما يتطلبه من إمكانيات مادية ضخمة وسنواتٍ متواصلة من العمل.