الجهاز الحزبي تحت الاختبار
د. خلف المفتاح
لن تكون العملية الديمقراطية المتعلقة بانتخاب لجنة مركزية وقيادة مركزية للحزب كغيرها من الانتخابات، سواء على مستوى قيادات الشعب أو الفروع أو المؤتمر القطري، لجهة أنها متخصصة بانتخاب لجنة مركزية تمثل أعلى هيئة في الحزب يفترض أن يكون أعضاؤها نخبة الجهاز الحزبي، سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي أو المقدرة القيادية، لأن للّجنة المركزية مهام محورية وإستراتيجية في إطار بنية الحزب وهرميّته. ولعل حديث الرفيق الأمين العام، بشار الأسد، حول المهام المنوطة بها مستقبلاً، في إطار تطوير العمل الحزبي والوطني، والغوص في عناوين كبيرة مع مراجعة نقدية للأهداف، والحديث عن شراكة وطنية تساهم بها قوى المجتمع المدني والقوى الفاعلة في البلاد، لجهة وضع برنامج عمل مستقبلي يمكن وصفه بمشروع وطني للإصلاح والتطوير يتضمن خطاباً تجديدياً رافعته البعث والجماهير بالمعنى الواسع للكلمة.
إن الاهتمام الواسع الذي أبداه الرفيق الأمين العام يعكس الحرص ليس على نزاهة الانتخابات وانسياباتها وشفافيتها وتحللها من المؤثرات والتدخلات السلبية فقط، وإنما وضع الجهاز الحزبي والقيادات الحزبية ولجان الإشراف أمام مسؤولياتها، وعلى وجه الخصوص هيئة الناخبين في كل مراحل العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، والتحلي بالمسؤولية الحزبية والوطنية، وانتهاج معايير الكفاءة والنظافة الفكرية والمقدرة القيادية والقدرة على طرح الأفكار والتعامل مع العناوين الجديدة واعتمادها عند ممارسة الخيار الانتخابي. ولعل وحدة القياس في إتباع وانتهاج ذلك المعيار هو تحليل ناتج العملية الانتخابية في مستوياتها كافة، حيث تظهر الخريطة الانتخابية طبيعة المعايير المتبعة، والذائقة الانتخابية عند مجمل الناخبين؛ وفي حال الوصول إلى هذا المستوى من الكفاءة الانتخابية سنصل إلى لجنة مركزية ينطبق عليها وصف الرفيق الأمين العام لها بأنها عقل الحزب المفكر وبرلمانه.
إن عوامل نجاح العملية الانتخابية ستعتمد بشكل أساسي، وبالدرجة الأولى، على وعي الناخبين وشعورهم بالمسؤولية وتمثلهم لمضامين ما جرى الحديث عنه خلال الفترة الماضية والتحضير الجيد لها؛ وهذا يوجب على اللجنة العليا المشرفة، والمشكلة بقرار من الأمين العام المساعد، والإعلام الحزبي، القيام بنشاط واسع يسبق العملية الانتخابية يتعلق بحثّ الجهاز الحزبي على المشاركة الواسعة بالعملية الانتخابية، والتركيز على اختيار الأفضل والأكفأ من بين المترشحين، والالتزام بمعايير الكفاءة التي طالما درجت عليها وأكدتها التعليمات الصادرة من القيادات الحالية والسابقة، والتي تحثّ الناخبين على الالتزام بالمعيارية الموضوعية ودفتر شروط الكفاءة.. ومع ذلك، لم تصل الخيارات السابقة إلى المستوى المطلوب، ما يضطر القيادة إلى اللجوء إلى أسلوب التعيين وما يعتريه من اعتراضات وملاحظات وحالات عدم رضى وقبول، ما يضع قيادة الحزب أمام إشكالية طريقة الاختيار التفضيلي.
لقد أشار الرفيق الأمين العام الدكتور بشار الأسد إلى أفضلية عملية الانتخاب على أسلوب التعيين وهذا شيء منطقي وعملي ويحمّل الجهاز الحزبي ويضعه أمام مسوؤلياته الحزبية والنضالية والأخلاقية البعثية والمقصود بالأخلاقية هنا درجة انسجامه وتماهيه مع فكر الحزب وهويته الفكرية وتحلل الناخب البعثي من كل أمراض المجتمع ومؤثراته وجعل البعث وهويته والبعثي وهويته الأساس في عملية الاختيار وليس أي عامل آخر أو حالة انتمائية فرعية أو أصلية لأن البعث هو بالنتيجة أسرة فكرية.
إن وجود ممثلين لكافة فروع الحزب في الاجتماع الموسع، أو في اللجنة المركزية المنبثقة عنه، لا يعني أو يلزم – من وجهة نظري – بتمثيل حصصي للفروع، إن لم تكن الخيارات الواردة من بعض الفروع ليست بالمستوى المطلوب، على قاعدة أن اللجنة المركزية هي عقل الحزب المفكر، فخلايا العقل لها أدوار وظيفية متكاملة ومنسجمة، فلابد من تماثل وانسجام بينها. وقد يعترض البعض على هذه الفكرة استناداً إلى ما درج عليه الحزب في تكريسه لقاعدة التمثيل، سواء المناطق أو غيرها؛ والجواب على ذلك هو “تطبيق المنطق، وليس المناطق”.، وهنا يمكن اعتماد التمثيل القائم على متلازمة الأجيال الفكرية والعمرية وعقلنة المؤسسات الحزبية، بدل قاعدة التمثيل الجغرافي والجهوي.
إن إجراء عملية حوار واسع للأجيال البعثية والمجتمعية عبر وسائل الإعلام، والمشاركة الواسعة فيها، قد تكون أحد عوامل النجاح في الوصول إلى المحصلة المطلوبة، والوعي المطابق لما يأمله الرفيق الأمين العام بشار الأسد، وتحدث عنه في اجتماع اللجنة المركزية، وفي لقائه مع اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات، وبالتالي يخفف من ثقل وعبء التعيين، ولعل الوصول إلى تلك النتائج أصبح رهاناً عند الكثيرين.