دراساتصحيفة البعث

(أربعائيات.. بحكم المنطق.. ولا شيء غير المنطق) البعث في رحاب الجمهورية السادسة (1)

د. مهدي دخل الله

لنتفق أولاً على أن البعث هو القوة الأساسية – مع أحزاب الجبهة التي يقودها – التي كانت خلف ولادة « الجمهورية السادسة » عام /2012/ . فالقائد الذي بادر ، باسم الشعب ، واستجابة للتطورات في المجتمع السوري ، بتأسيس هذه الجمهورية ، هو الأمين العام لحزب البعث . وهذا الحزب كان دائماً قادراً على تحديث نفسه فكرياً قبل تحديث الواقع حوله . يشهد على ذلك انتقالات فكرية نوعية خمسة في تاريخه تؤكد قدرته هذه . والمطلوب اليوم وضع توجهات واضحة تؤكد أن البعث في فكره وسلوكه ملتزم تماماً بأصول « جمهوريته» السادسة ودستورها ..

نفسها خاضعة للتغيير باستمرار ، وهذا أهم ما يميز البعث . فدستور الحزب /1947/ ليس له أي علاقة بالمنطلقات النظرية /1963/ ، الأول كان مستنداً إلى أفكار الأممية الثانية ( الاشتراكية الديمقراطية ) ، بينما الثاني استند إلى الاشتراكية العلمية ، والأمران متناقضان تقريباً . الانتقال الثالث كان بداية السبعينيات ( تأسيس الجمهورية الخامسة 1973 ) حيث رفع الحزب شعار حشد الطاقات منفلتاً بذلك من مفهوم الصراع الطبقي الذي أقرته المنطلقات النظرية . جاء الانتقال الرابع في المؤتمر القطري العاشر /2005/ حيث تبنى البعث مشروع السوق الاجتماعي الذي هو انقلاب فكري كامل على ما سبق وتأكيد على أهمية العودة إلى دستور الحزب /1947/ . الانتقال الخامس عام /2012/ مع الجمهورية السادسة حيث أن مقدمة الدستور التي تمثل مستنداً فكرياً له لم تذكر مصطلح الاشتراكية أبداً . ولا أعتقد أن هناك حزباً آخر لديه هذه الانعتاقات الفكرية المستمرة .

اليوم لابد من التقدم نحو الأمام استناداً إلى دستور الدولة . ينبغي ألا يكون للبعث أي ميزات مؤسسية أو رسمية في مجمل الحياة الدستورية والسياسية العامة وتموضع مقراته وتأثيره . وينبغي أن يؤثر البعث على السياسية العامة عبر أعضائه المسؤولين في الدولة والإدارة العامة فقط دون علاقة مؤسسية مرسومة . ويمكن هنا وضع صيغة عملية تسمح بمتابعة الحزب لنشاط أعضائه في الدولة والإدارة العامة ، لا أن تكون العلاقة مؤسسية . مثلاً : لماذا على المحافظ أن يكون بعثياً مادام هناك وزراء غير بعثيين ؟ وإذا كان بعثياً فلماذا عليه أن يكون عضواً في قيادة الفرع ؟

لا يجوز نقل صيغة القيادة العليا للحزب ، وفيها الأمين العام ورئيس الحكومة ورئيس مجلس الشعب إلى المستويات الجزئية الأدنى ، فمن المعروف أن منطق البنية العامة لا يجوز أن ينطبق على البنى الفرعية ، فالبنى العامة قائمة في ذاتها ، أي أن لها قوانينها الخاصة بها ، كما بقول عالم السوسيولوجيا السياسية الشهير إيميل دوركهايم . أما علاقة الحزب بالحركة النقابية فإلى مقال قادم .

mahdidakhlala@gmail.com