بين أوكرانيا واليمين المتطرّف.. الاتحاد الأوروبي على حافة التفكّك
ريا خوري
لم تتوقّف الدول الغربية عن دعم أوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة فيها، وحتى قبل ذلك أثناء الحرب التي تشنّها على إقليم دونباس ذي الأغلبية الروسية. لكن وتيرة المساعدات بدأت تخفت بشكلٍ كبير وواضح، وزاد عليها امتناع بعض دول الاتحاد الأوروبي عن تقديم المال والسلاح والدعم اللوجيستي والسياسي.
واللافت أنه منذ بدء العدوان الصهيوني الوحشي على الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، قامت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتأييد الكيان الصهيوني في عدوانه، وتحوّل جانب كبير من الدعم إلى الكيان، وهذا كلّه على حساب دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، حيث صار من الصعب جدّاً التوفيق بين الأمرين.
لكن جمهورية ألمانيا الاتحادية كانت قد أعلنت منذ مدةٍ قريبة عن رفع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا في ظل تركيز حلفاء أوكرانيا على قطاع غزة و(إسرائيل)، وجاء ذلك على لسان وزير الدفاع الألماني (بوريس بيستوريوس) الذي أعلن أن ألمانيا سترفع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا خلال العام المقبل لتصل إلى ثمانية مليارات يورو.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شهر شباط عام 2022، بقيت الدول الغربية سخية في مساعداتها الموجّهة إلى أوكرانيا، لكن اندلاع الحرب المدمّرة التي تشنّها قوات العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني جعل تركيز العالم ينصبّ على المنطقة.
وما زالت أوكرانيا تطالب حلفاءها الغربيين باستمرار تقديم المساعدات العسكرية بشكلٍ أكبر، لكن الهجوم المضاد الذي شنّته ضد القوات الروسية المتمركزة جنوب وشرق البلاد لم ينجح.
ومؤخراً أعلن الاتحاد الأوروبي من خلال قمّة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت يوم 14/12/2023 عن فتح باب المفاوضات لضمّ أوكرانيا ومولدافيا إلى الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في العاصمة البلجيكية بروكسل في اليوم الأول من قمّة لقادة التكتل، عن فتح باب المفاوضات ووضع الخطط المرسومة لضمّ أوكرانيا ومولدافيا، مشيراً إلى أن هذه الخطوة هي (إشارة أمل واضحة وقوية لمواطني هذين البلدين ولقارتنا الأوروبية)، كما أعلن أن الاتحاد الأوروبي سيفتح أيضاً باب المفاوضات مع البوسنة والهرسك.
وبينما رحّب رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بما اعتبره (انتصاراً) لبلاده ولأوروبا، أعرب العديد من الدول عن رفضه لهذا القرار، حيث ندّد فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري بالقرار واعتبره قراراً (سيئاً) وخياراً (أحمق)، كما عدّه البعض مؤشراً على انفراط عقد وحدة الموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا، بل إن الخوف والقلق يتعلقان أيضاً بمستقبل الاتحاد الأوروبي برمّته في ظل تنامي التيار اليميني الشعبوي المتطرف المعادي أصلاً للاتحاد الأوروبي ومكوّناته، إضافة إلى العداء المستحكم للمهاجرين والإسلام.
وكان رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، قد استبعدوا خلال القمّة الأوروبية المنعقدة في فرساي، بفرنسا، أي انضمام (سريع) لأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكدين أنّ (مساراً سريعاً للعضوية في الاتحاد غير ممكن).
ومن جانب آخر، أكّد الزعماء والقادة الأوروبيون أنّ الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل لـ(تقريب) أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنّ الاتحاد سيعمل جاهداً على تعزيز الشراكة والروابط لدعم أوكرانيا في متابعة مسارها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي سياق إظهار دعمها وتعاطفها المعنوي مع أوكرانيا، قالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية: نريد أوكرانيا حرّة وديمقراطية نتقاسم معها مصيراً مشتركاً.
وأبدى العديد من دول الاتحاد رأيه في أنّ دخول أوكرانيا حالياً إلى الاتحاد الأوروبي “غير واقعي ومتسرّع”، بل إنه يُقحم الاتحاد الأوروبي في حرب مباشرة مع روسيا طبقاً لمعاهدة لشبونة (2007) التي نصّت على (شرط المساعدة المتبادلة) بين أعضاء الاتحاد، وذلك على الرغم من أن الدعم الحالي المقدّم لأوكرانيا ربما لا يختلف كثيراً عمّا يمكن أن تقدّمه إليها حال انضمامها.
وتتباين مواقف ممثلي 27 بلداً أوروبياً حيال الطلب الأوكراني الانضمام السريع بين رافض ومطالب بالتمهّل، وخاصة مع وجود شروط صارمة لانضمام دولة جديدة للاتحاد الأوروبي، يُطلق عليها (معايير كوبنهاغن) التي حدّدتها معاهدة لشبونة، والتي تتلخص في: (الديمقراطية المستقرة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحرية والمساواة، واقتصاد السوق الحرة، وضرورة قبول كل تشريعات الاتحاد الأوروبي) وأن تكون مستعدّة للتوقيع على المعاهدات التأسيسية الثلاث التي تقبل بتطبيق القوانين والتشريعات الأوروبية بأكملها.
وعلى الرغم من ذلك، ازداد الخوف من انفراط وحدة الدعم الأوروبي لأوكرانيا، وهو ما عبّر عنه بصراحة شديدة زيلينسكي في خطابه عبر الأقمار الصناعية أمام القمة الأوروبية التي عُقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث دعا القادة والزعماء الأوروبيين إلى (عدم التخلّي عن أوكرانيا، وإلى دعم بلاده التي تخوض حرباً مع روسيا منذ ما يقرب من سنتين)، طالباً منهم ألا يقدّموا برفضهم انضمام أوكرانيا أيّ نصر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعقب صدور قرار الاتحاد الأوروبي الموافقة رحّبت أوكرانيا بالقرار واعتبرته (انتصاراً لأوروبا وأوكرانيا).
وكان زبلينسكي متشككاً في جدية موقف الاتحاد الأوروبي من مواصلة دعمه لأوكرانيا، ومتخوّفاً من وجود مواقف لدى بعض الدول للأوروبية غير المتحمسة لقرار ضمّ أوكرانيا إلى الاتحاد، وهو القرار الذي وضع دول الاتحاد الأوروبي على المحك من خلال إلزامها بدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا في حالة قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من أن أوكرانيا مجرد وسيلة في يد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لإنهاك روسيا وإضعافها.
مخاوف زبلينسكي لم تنشأ من فراغ، فالتيار داخل الاتحاد الأوروبي الرافض لمواصلة دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا في تزايد مستمر. هذا التوجّه بدأته هنغاريا ومن بعدها صربيا، ثم سلوفاكيا، مع تزايد ميل بولندا، الداعم الأساسي والقوي لأوكرانيا، إلى وقف مواصلة مساعدة ودعم أوكرانيا عسكرياً ومالياً وسياسياً، بسبب العديد من الخلافات التي تتزايد يوماً بعد يوم بين البلدين وخاصة حول موضوع صادرات المواد الغذائية ومشتقاتها.
أما موقف سلوفاكيا، وهو الأحدث في تيار الرفض لمواصلة دعم أوكرانيا عسكرياً، فقد أكده روبرت فيتسو رئيس وزرائها بقوله: إن بلاده (لن تقدّم أي نوع من المساعدات العسكرية والمالية واللوجستية إلى أوكرانيا)، لكن الخوف الحقيقي يأتي من هولندا التي دخلت على خط الدول التي أبدت استعدادها التام للانسحاب من تحالف الدعم العسكري واللوجستي والمالي لأوكرانيا بعد فوز التيار اليميني المؤيد لروسيا في الانتخابات الأخيرة، حيث أحدث الانتصار المفاجئ الذي حققه حزب “الحرية” اليميني المتطرّف بزعامة غيرت فيلدرز السياسي الشعبوي صدمة في أنحاء أوروبا.
وهذا الخوف يمتد إلى الخوف من احتمال انسحاب هولندا من الاتحاد الأوروبي على غرار انسحاب المملكة المتحدة من الاتِحاد الأُوروبي الذي حصل في 23 حزيران عام 2016، وأن يؤدّي ذلك، في حالة حدوثه إلى انسحابات مماثلة من دول بات التيار اليميني الشعبوي المتطرف فيها أقرب ما يكون من السلطة وخاصة في فرنسا، وإسبانيا، إضافةً إلى إيطاليا التي وصل فيها بالفعل حزب (أخوة إيطاليا) الذي تتزعّمه جورجيا ميلوني إلى الحكم في روما.
إذن الاتحاد الأوروبي، من خلال انقياده الأعمى وراء السياسات الأمريكية المعادية لروسيا، ربما تشكّل سياساته الحالية فيما يخص أوكرانيا، المسمار الأول في نعش الاتحاد الأوروبي الذي يرزح حالياً تحت وطأة العديد من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.