رقعة الحرب تتوسّع.. وواشنطن عاجزة عن تغطية الهزيمة
طلال ياسر الزعبي
يبدو أن التطوّرات الأخيرة للأحداث فيما يتعلّق بالعدوان الصهيوني على غزة، وخاصة الخسائر الهائلة التي يتكبّدها جيش الاحتلال الصهيوني في حرب الشوارع التي يخوضها في أحياء القطاع المحاصر، حيث تخرج إلى العلن يومياً أنباء صادمة حول عدد الجنود القتلى والآليات الإسرائيلية المدمّرة، فضلاً عن الخسائر الفلكية في الاقتصاد الصهيوني، التي تعدّ مجتمعة مؤشّرات سلبية حول مصير الكيان الصهيوني الذي بات قادته يستشعرون حجم الانهيار في الداخل الصهيوني على مستوى الأجهزة الأمنية والجيش والشارع، الأمر الذي دفع قادة الكيان إلى البحث عن أساليب أخرى لتغيير قواعد الاشتباك القائمة، وبالتالي توجّهوا نحو العمليات الإرهابية داخل دول المحور المقاوم، وعمدوا إلى اغتيال شخصيات مقاومة، في محاولة ربما للوصول إلى نوع من المفاوضات مع هذه الدول بعد عجزهم فعلياً عن تحقيق أيّ خرق في الميدان بعد أن فشلوا في تحقيق جميع الأهداف التي وضعوها للعدوان على غزة.
الطريق المسدود الذي وصل إليه قادة الاحتلال في ميدان غزة، وهم أداة أمريكية بامتياز لما يحدث الآن في المنطقة، دفع الإدارة الأمريكية إلى البحث عن مخارج لحفظ ماء وجه الحكومة الصهيونية، وتدارك الانهيارات المتتالية للجبهة الداخلية في الكيان، حيث من المتوقع أن يكون “اليوم التالي” لوقف الحرب على غزة بداية انهيار كامل للكيان المهلهل، وخاصة أن الحكومة الحالية الموصوفة بالأشدّ تطرّفاً صارت على محك السقوط المباشر بعد نهاية الحرب، وهذا سيفتح الباب أمام أحداث دراماتيكية داخل الكيان الصهيوني بدأت مراكز الدراسات الدولية تتحدّث عنها، وليس بعيداً عن التصوّر مطلقاً أن الحديث بات يدور عن زوال الكيان بفعل تحوّل الحياة داخله إلى جحيم بعد تسعين يوماً من النزوح القسري لسكان الشمال والجنوب، وخاصة الشمال الموصوف بأنه خزان الثروة والاقتصاد والسياحة، وهناك أرقام فلكية يمكن الحديث عنها في هذا الجانب.
ولكن الوضع الحالي للكيان بات يثير مخاوف كثيرة في واشنطن حول إمكانية اتساع نطاق الحرب، فاليمن فرض أمراً واقعاً في البحر الأحمر والمحيط الهندي، لا تستطيع الولايات المتحدة تجاوزه حتى لو استعرضت أمام العالم بتشكيل ما يسمّى تحالفاً دولياً لحماية الملاحة، لأنها لو تدخّلت منفردة في اليمن تكون قد أعلنت صراحة أنها طرف رئيس في العدوان على غزة، وبالتالي ستدخل أطراف أخرى مع اليمن في هذه الحرب، وهذا ما تخشاه واشنطن في ظل عدم قدرتها على تغطية ساحة أخرى للحرب إلى جانب الساحات التي أشعلتها، في أوكرانيا وغزة والمحيط الهادي.
وقد أصبحت المناوشات بين إسرائيل و”حزب الله” على الجبهة اللبنانية أمراً يثير قلق الولايات المتحدة التي لا تريد اتساع الحرب إلى جبهات أخرى في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، حسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي أكّدت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أرسل كبار مساعديه إلى الشرق الأوسط لتحقيق هدف حاسم هو منع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و”حزب الله”، حتى لو حمّل تصريحاته نوعاً من التهديد المبطّن للبنان، ولو تمّت الإشارة إلى ما قاله وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، عندما أشار إلى أنهم “يفضّلون طريق التسوية الدبلوماسية المتفق عليها، لكنهم يقتربون من النقطة التي ستنقلب فيها الساعة الرملية”، وتم دعم ذلك برغبة نتنياهو في البقاء على رأس الحكومة من خلال توسيع نطاق الحرب.
وما يحدث على الجبهة العراقية أيضاً من قيام المقاومة العراقية باستمرار باستهداف القواعد الأمريكية المنتشرة في كل من العراق وسورية، والردّ المباشر على عمليات الاغتيال التي تنفّذها القوات الأمريكية لقادة في المقاومة العراقية، وتصاعد الدعوات لخروج القوات الأمريكية من هذا البلد، كل ذلك يجعل واشنطن طرفاً في هذه الحرب، وهي ليست في وارد السقوط في هذا المستنقع، وبالتالي لا بدّ من البحث عن مخرج يجعلها تظهر في مظهر الساعي إلى الحل بعد عجزها طبعاً عن إلحاق الهزيمة بدول المحور.
وبالتالي فإن ما رشح من محاولات أمريكية للتفاوض مع أطراف المحور حول ما تسمّى تسوية شاملة يفضح حقيقة عجز الولايات المتحدة عن الاستمرار في الشكل التصاعدي للحرب، حيث قال السفير الإيراني لدى دمشق حسين أكبري: “إن الولايات المتحدة بعثت برسالة إلى طهران عبر وفد خليجي من أجل حل المشكلة في المنطقة برمّتها وليس فقط لتسوية جزئية في الصراع”، مشيراً إلى أن العمل الإرهابي المتمثل في التفجيرين الذين استهدفا زوار مرقد الجنرال الشهيد قاسم سليماني في مدينة كرمان شاه بإيران هو عبارة عن ردّ الفعل الناتج عن ضعف “إسرائيل”، مؤكّداً أن هذه السياسة هي تعبير واضح عن العجز في الميدان والخشية الفعلية من أن تؤدّي هذه الحرب إلى زوال الكيان من الوجود، وبالتالي راحت واشنطن ترسل الوفود إلى عواصم دول المحور المقاوم بحثاً عن هذه التسوية.
وقد نفت الولايات المتحدة ضلوعها أو تورّط “إسرائيل” في التفجيرين بجنوب إيران قرب مرقد اللواء سليماني الذي اغتيل قبل أربعة أعوام في غارة أمريكية في العراق.
كلام السفير الإيراني أكّدته “سي إن إن” نقلاً عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية، حيث نقلت أن بلينكن سيوضح للقادة الذين يلتقي بهم أن الولايات المتحدة “لا تريد أن ترى الصراع يتصاعد ولا تنوي تصعيده”.
ومن هنا، فإن الولايات المتحدة بدأت فعلياً تشعر بأن السحر سينقلب عليها، وأن دول المحور تمتلك من الأوراق ما يمكّنها من إلحاق هزيمة استراتيجية بها في المنطقة، وخاصة أن جميع الوصفات لن تمكّن الكيان الصهيوني من تحقيق نصر فعلي على الأرض يمكن أن يحفظ لدول العدوان ماء وجهها.