“أخوة الجنون”.. النأي بالنفس هو منتهى الجنون
أمينة عباس
دعا الفنان زيناتي قدسية من خلال مسرحية “أخوة الجنون”، التي قُدّمت مؤخراً على خشبة مسرح الحمراء بمناسبة اليوم العربي للمسرح، إلى عدم الحيادية والنأي بالنفس والوقوف في المنطقة الرمادية أمام الأزمات التي تواجه مجتمعنا وفي الوقت الذي فيه الوطن مُهَدّد بكرامته وقيمه وأخلاقه، مؤكداً في حواره مع “البعث” أن النأي بالنفس هو منتهى الجنون، يقول: “لا يستطيع الشخص العاقل أن يترك بلده متعباً ومريضاً ويبتعد عنه”، هل هناك إنسان حقيقي يتمتع بالعقل ينأى بنفسه عما يعانيه أبناء وطنه بدلاً من مواجهة الأزمات التي تريد أن تنهش فيه وبمن حوله، ومبيناً أن النأي بالنفس هو بمرتبة الخيانة الخطرة، وأن الفئات التي تقف في المنطقة الرمادية هي أخطر من العدو نفسه.
مسألة تعني الكثير
وأشار قدسية إلى أنه كان حريصاً على تقديم “أخوة الجنون” تأليفاً وإخراجاً في دمشق بعد أن تقديمها في حمص ومشاركتها في العديد من المهرجانات التي أقيمت في المنطقة الوسطى، لذلك اعتذر عن المشاركة في مهرجان اليوم العربي للمسرح باعتباره رئيس لجنة تحكيم قراءة النصوص للكبار فيه والذي افتتح فعالياته يومَ تقديم العرض، خاصّةً وأن تقديمه في العاصمة مسألة تعني الكثير للمشاركين فيه من مسرحيي مدينة حمص، معبراً عن سعادته بالعمل مع فريق جديد بعضهم لديه خبرة سابقة في المسرح وبعضهم يقف على الخشبة أول مرة بعد أن خضعوا لأكثر من ورشة عمل أشرف عليها، واستطاع من خلالها أن ينقلهم إلى مرحلة فيها التبصر الأول لتلمسات الخشبة، وقد كانت النتيجة مرضية بالنسبة له لهذا العرض الذي أُنجِزَ وعُرِضَ في حمص بدايةً ومن ثم في المهرجانات التي أقيمت في المنطقة الوسطى، ليحط رحاله في دمشق وعلى خشبة مسرح الحمراء بوجود جمهور كبير يؤكد توق الجمهور لمشاهدة العروض المسرحية، وهو ما يتمناه أي مسرحي ينجزعملاً مسرحياً، من دون أن يخفي قدسية أنّ قلة الجمهور تحبط الفريق المسرحي وكثرته تحفّزه ليقّدم أفضل ما عنده.
الكوميديا الطريق الأقرب
وأوضح قدسية أن رسالة العرض الذي يناقش فكرة النأي بالنفس والهروب إلى الجنون من الواقع، وما يجري فيه من ظلم تؤكد أن لا مجال للنأي بالنفس، مبيناً: “جميعاً مستهدفون، ومن يختار النأي بالنفس طلباً للنجاة بنفسه مخطئ لأن الخصم لا يعرف لا فقيراً ولا غنياً ولا أسود ولا رمادياً، الجميع مستهدفون وهذا يحتم علينا مواجهة كل الأزمات التي نتعرض لها حتى ولو كان الثمن باهظاً”، وأمام هذه المقولات الكبيرة ارتأى قدسية كمخرج – كما يؤدي فيه إحدى الشخصيات – أن يقدمها بأسلوبٍ كوميدي خفيف من أجل إيصال الرسائل ببساطة إلى الجمهور، معترفاً أنه يميل إلى الكوميديا في الظروف الصعبة، لأنها تخفف عن الجمهور وطأة الأفكار المطروحة في العرض المسرحي، ولاسيّما أن الجمهور، اليوم، لم تعد لديه القدرة على تحمل الأفكار الثقيلة، وإذا كان لا بد من ذلك يجب طرحها بأطر وقوالب قادرة على أن تصل للناس، والكوميديا برأيه هي الطريق الأقرب، خاصةً عندما تكون كوميديا سوداء راقية ليس غايتها إضحاك الناس، مع تأكيده على أن المسرح وجميع الفنون والآداب عندما تؤدي رسائلها بشكل جيدتستنهض فينا الحالة الوطنية والحس الذي بدأ يخبو تدريجياً، وحينما تعجز عن فعل ذلك تكون ناقصة ومن دون قيمة، من هنا شدّد على المسؤولية التي يجب أن يحملها المخرج والممثل والكاتب الذي يقع على عاتقه اختيار الموضوعات القريبة من الناس، لأن تغريده خارج السرب بطرح موضوعات خاصة ما هو إلا انفصال عن الواقع برأي قدسية الذي يؤمن أن المسرحي المُدرِك تماماً لما يجري حوله يعرف ما هي المواضيع التي يجب أن يقدّمها وتخلق حضوراً واقعياً راهناً، وهو أمر ليس صعباً وهذا ما يجب أن يقوم به كل مسرحي واعٍ لما يحدث في محيطه.
العودة إلى دمشق
ونوّه قدسيّة الذي نقل نشاطه المسرحي منذ سنتين إلى مدينة حمص بأنه فعل ذلك بهدف تفعيل المسرح في المنطقة الوسطى، وقد نجح خلال ذلك في تقديم سبعة عروض مسرحية، وهو اليوم عائد الى دمشق للعمل على خشبات مسارحها، متمنياً في اليوم العربي للمسرح من جميع المسرحيين العرب الالتفات إلى ما يحدث حولنا والتعبير عنه، لأن مسرحنا العربي برأيه ما يزال حتى الأن منفصلاً عن الواقع والمسرحيون فيه يغردون في فضاءات مختلفة، فكل مسرح لديه نهج مختلف عن الآخر، لذلك وبعد 170 عاماً من عمره لم يتشكل ملمح لمسرح عربي.