الإفلاس الأخلاقي لدى أعضاء الكونغرس الأمريكي
هيفاء علي
رفضت الأغلبية العظمى من أعضاء الكونغرس الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال الأشهر الثلاثة من المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، وخاصة الأطفال وكبار السن. وحسب مراقبين، يبقى الكابيتول مكاناً ودوداً لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تواصل تلقّي شحنات أسلحة ضخمة بفضل دافعي الضرائب الأمريكيين، وبالتالي، لولا الدعم الأمريكي غير المشروط وغير المحدود، لما كان الكيان الإسرائيلي المحتل قادراً على شنّ هذا العدوان الوحشي، حيث زوّدته مع مرور الوقت بحوالي 80% من واردات البلاد من الأسلحة، حسبما أفاد موقع “فوكس”. ويمكن قياس المسافة بين مبنى الكابيتول وغزة من خلال الفجوة الهائلة بين السرد المعياري للسياسة الأمريكية والمذبحة الإرهابية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، كما أن الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المجرمون الإسرائيليون أصبح ممكناً بفضل رؤساء أمريكا المتعاقبين وصولاً إلى بايدن، الذي من الواضح أنه لا يريد وقف إطلاق النار. والشيء نفسه ينسحب على الأغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس، الذين يدعم صمتهم ومراوغاتهم، دون حماستهم الصريحة، المجازر المرتكبة بحق المدنيين باسم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
إن أعضاء الكونغرس، الذين أصبح خطابهم الآن سهلاً للغاية في تصريحاتهم العامة لتبرير استمرار الدعم العسكري الضخم للكيان الإسرائيلي المحتل، لن يشعروا بالرضا عن النفس إذا اضطروا إلى انتشال أطفالهم الموتى من تحت الأنقاض. وفي منتصف شهر تشرين الأول، شارك سبعة عشر عضواً في مجلس النواب في رعاية قرار وقف إطلاق النار الفوري في فلسطين المحتلة. ولم يزِد عدد هؤلاء الممثلين الصريحين خلال الأسابيع الـ11 التي تلت ذلك، بل عدد قليل من أعضاء الكونغرس يدعون إلى وقف إطلاق النار. وتتداول بعض المنظمات المناهضة للحرب ما يوصف بـ”قائمة متزايدة من أعضاء الكونغرس الذين دعوا علناً إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة”. لكن قاعدة هذه الأسماء -56 عضواً في مجلس النواب وأربعة أعضاء في مجلس الشيوخ – تتراوح بين الصلبة والهشة.
وهذه هي حالة النائب جاريد هوفمان من كاليفورنيا، الذي يوجد اسمه في القائمة ولكنه لا ينتمي إليها، والذي نشر منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 19 تشرين الثاني، ذكر فيه أن وقف إطلاق النار سيتطلب “إفراج المقاومة الفلسطينية عن جميع الرهائن، ونزع سلاحها والتخلي عن السيطرة على غزة” وبعبارة أخرى، استسلام حركة المقاومة حماس كشرط مسبق لوقف المجازر التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق المدنيين في المنطقة. العديد من الأعضاء الآخرين في مجلس النواب، مثل جودي تشو (كاليفورنيا)، وديانا ديجيت (كولورادو)، وتيريزا ليجر فرنانديز (نيو مكسيكو)، وجيمي راسكين (ماريلاند)، “دعوا علناً إلى وقف إطلاق النار” ولكن مع تحفظات، وشروط مسبقة، دون دعوة حكومة الكيان المحتل المدعوم من الولايات المتحدة إلى التوقف فوراً عن قتل المدنيين الفلسطينيين، مهما كانت الظروف. وقد اتخذ العديد من أعضاء الكونغرس مواقف أسوأ بكثير. وحسب موقع “فوكس”، يحتاج الناخبون الأمريكيون إلى معلومات دقيقة حتى لا يحصلوا على انطباع خاطئ بأنهم ممثلون من مؤيد قوي لوقف إطلاق النار. وحتى مع إضافة الأسماء الأكثر إثارة للشكوك التي تم تصنيفها على أنها مؤيّدة لوقف إطلاق النار، فإن القائمة الحالية تضم 13% فقط من أعضاء مجلس النواب و4% من أعضاء مجلس الشيوخ. وهذا يوضح إلى أي مدى يصل دعم الكونغرس لحرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة. وقد اتخذت الاحتجاجات ضد دعم الولايات المتحدة للحرب شكل أعمال كبيرة وغير عنيفة على الجسور والطرق السريعة ومحطات القطارات والمطارات والحرم الجامعي والمجالس التشريعية والعديد من الأماكن الأخرى، كما اشتبك بعض النشطاء مع أعضاء الكونغرس. لكن رغم ذلك، نجا مؤيّدو الحصانة الإسرائيلية في الكونغرس من المواجهات السلمية التي يستحقونها. ومن الممكن أن تجري هذه المواجهات في مكتبهم في الكابيتول هيل، ولدى أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب العديد من المكاتب التي تقع في مكان مناسب بالنسبة لأغلب ناخبيهم للسفر إليها والاعتصام وتعطيلها سلمياً، وإصرارهم على أن دعم القتل الجماعي في غزة أمر غير مقبول أخلاقياً، حسب الموقع نفسه.